التقارير

على إيقاع التنافس بين موسكو وطهران.. أحمد العودة إلى الواجهة من جديد (تقرير)

موسى الأحمد/ نبأ

بلغ التنافس بين روسيا وإيران ذروته إثر سقوط الجنوب السوري في آب/2018 بيد النظام، حيث عمل الجانبان على استقطاب الأعداد الكبيرة من مقاتلي المعارضة سابقاً الذين رفضوا الخروج نحو الشمال ضمن صفوف ميليشياتهم فأصبحت الخارطة العسكرية في المنطقة تنقسم بين روسيا متمثلة بالفيلق الخامس وبين إيران متمثلة (حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني اللواء 313 الفرقة الرابعة فيلق القدس).

شكّل هذا التنافس على النفوذ في جنوب سوريا مدخلاً أعاد إنتاج الدور المناط بالقيادي في المعارضة سابقاً “أحمد العودة” رجل روسيا فبات يدعو علناً للالتحاق بالفيلق الخامس كسبيلٍ وحيد للوقوف في وجه التمدد الإيراني في حين ترى العديد القيادات المحلية في محافظة درعا أن الأخير يتذرع بنفوذ طهران لاستكمال مشروعه القديم الذي بدأ منذ نحو عامين تزامناً مع “السقوط” والمتمثل بتشكيل جسم عسكري موحد تخضع لإرادته كافة الهيئات المحلية والعشائرية في المحافظة ليصبح هو المسؤول الوحيد للتفاوض على مصير المنطقة تحت السقف الروسي الداعم للأسد.

القيادي السابق في تشكيل الجهة الجنوبية “عبد الله القادري” وهو اسم مستعار، قال: “ليس خافياً أن أحمد العودة هو رجل روسيا في الجنوب وبالتالي فأن تحركاته ليست اجتهاداً شخصياً بل هي بطلب من موسكو في سياق تثبيت نفوذها في المنطقة بوجه إيران، وأعتقد أن هناك توافقات دولية تدفع باتجاه أن يكون الأول هو رأس حوران”.

صراع النفوذ بين روسيا وإيران وقوده أبناء الجنوب

الصراع بين روسيا وإيران لبسط النفوذ على الجنوب لم يعد خافياً على أحد وتتجسد ملامحهُ في السباق المحموم بين الطرفين بتثبيت مواقع عسكرية داخل محافظة درعا وتأمين خطوط الإمداد إلى جانب تدعيم صفوف المليشيات التابعة لكل منهما بمقاتلين من أبناء المنطقة كما ذكرنا سابقاً.

هذا الواقع يطرح العديد من الأسئلة حول جدية المجتمع الدولي وعلى رأسه واشنطن في إخراج إيران من سوريا ومنعها من تثبيت موطئ قدم داخل البلاد.

هذا التوصيف يدعمه القيادي “القادري” معتبراً أن التنافس بين موسكو وطهران هو “كجمرٍ تحتَ الرماد” فكلٌ منهما يريد الاستئثار بسوريا دون شراكة من أحد، مضيفاً المجتمع الدولي كاذب فهو من سمح لإيران للتمدد في سوريا بهدف خلط الأوراق تماشياً مع التسويات المتفق عليها بين القوى الكبرى إضافةً إلى أن الدول العربية كالأردن والسعودية والإمارات لم تكن جادة في الوقوف في وجه النفوذ الإيراني والدليل على ذلك دورهم في إسقاط الجنوب.

مسار الأحداث على الأرض يشير إلى أن التطورات الميدانية والسياسية في الجنوب تأخذ سياقها على إيقاع التنافس بين طهران وموسكو ومن هنا ربما يمكن قراءة تفجير حافلة الفيلق الخامس قبل أيام على طريق كحيل – السهوة شرق درعا، أدى التفجير لقتل 10 وإصابة ما لا يقل عن 30 آخرين بعضهم في حالة خطرة، وكانت الحافلة في طريق عودتها إلى مدينة بصرى الشام من أحد معسكرات الفيلق بريف اللاذقية، بعد أن قضى العناصر مدة شهر فيه.

مكان التفجير الذي استهدف حافلة للفيلق الخامس شرق درعا.

التفجير جاء بعد اجتماع عُقد في مدينة بصرى الشام قبل أيام ضم العودة وممثلين عن عدد من اللجان المركزية بدرعا لبحث عملية تجنيد العشرات من المقاتلين ضمن صفوف الفيلق الخامس.

الحادث فجر غضب شعبي غير مسبوق في محافظة درعا منذُ آب /2018، فتعالت الهتافات المطالبة بإسقاط نظام الأسد وإخراج إيران وميليشياتها من سوريا دون التعرض لموسكو بأي شعارات.

المفارقة تمثلت في حضور “أحمد العودة” بمظاهرة تشيع قتلى تفجير الحافلة، المطالبة بإسقاط النظام بعد أن كان الأخير رأس حربة في إسقاط الجنوب إبان الحملة العسكرية للنظام ومليشيات طهران بدعم روسي والتي بدأت في منتصف حزيران/2018.

أعقبه في اليوم التالي خلال مجلس العزاء بكلمةٍ تحدث فيها عن عزمه بتشكيل جيش عسكري موحد للجنوب يضم في صفوفه أكبر عدد من أبناء محافظة درعا لا سيما المقاتلين السابقين في الجيش الحر والمنشقين عن جيش النظام الذين كانوا طوال السنتين الماضيتين من أشد الرافضين للخضوع لإرادة الأسد ومشاريع موسكو.

في هذا الجانب رأي القيادي عبد الله القادر: “أحمد العودة” منذ بداية الثورة يحاول اقتناص الفرص وركوب الموجة وعلينا ألا ننسى أن “العودة” هو ممثل خالد المحاميد وهو أداة روسيا، أما عن التشكيل الجديد لا أملك أي معلومات عنه لكنه بالتأكيد أحد الطروحات السيئة ولكني لا أستطيع تخوين المقاتلين الذين قد ينضمون إليه وليس بمقدوري في الوقت ذاته التبرير لمن يقدم عليها.

تفجير حافلة الفيلق الخامس سبقه بيومٍ واحد إرسال طهران لتعزيزات عسكرية قادمة من محافظة دير الزور شرق سوريا استقرت في معسكر موثبين بريف درعا الشمالي ضمت نحو ١٢ مركبة “تايغر” محملة بأكثر من ١٠٠ مقاتل إضافة إلى أسلحة مختلفة.

تزامنت مع اشتباكات عنيفة بين مجموعات تابعة للفيلق الخامس المدعوم من روسيا وأخرى تأتمر بأمر الفرقة الرابعة المعروفة بولائها لإيران في مدينة طفس بريف درعا الغربي.

هذه الأحداث وفق الناشط “علاء الحوراني” تشير أن تفجير الحافلة جاءَ ليدعم توجهات “العودة” وروسيا لاستقطاب مقاتلي الريف الغربي ومدينة درعا الرافضين للانضمام في صفوف الفيلق الخامس، مضيفاً الترويج بأن أذرع إيران هي من تقف وراء التفجير يأتي باعتقادي لتجيش عواطف الحاضنة الاجتماعية في محافظة درعا المعادية لإيران وجعل الخيار الوحيد أمام أبناء الجنوب الروس ممثلاً “بالعودة”، مشيراً أنه لا يمكن استبعاد أن يكون العودة نفسه له يد في التفجير لتحقيق ذات الهدف.

وعلمت نبأ من مصادرها الخاصة أن تحركات عناصر الفيلق الخامس ذهاباً وإياباً من سلمى بريف اللاذقية إلى درعا تجري بسرية تامة وبإشراف روسي مباشر ما يعني أن توقيت هذه التحركات محصور بالقيادة العسكرية الروسية في سوريا وهو ما يترك الأسئلة معلقة حول من وراء التفجير وما هي أهدافه في هذا التوقيت.

ما يجري في الجنوب الآن يعبر بطريقة أو بأخرى عن رغبة روسية متصاعدة في تحجيم الوجود الإيراني لا سيما في ظل الضغوط المتزايدة من أمريكا عقب قانون قيصر وبعد أن استكملت إيران تحت غطاء الفرقة الرابعة انتشارها على كامل الخط الواصل من ريف درعا الغربي وصولاً إلى الجولان المحتل، الأمر الذي يناقض التفاهمات الثلاثية بين روسيا وواشنطن وإسرائيل.

تضارب المصالح هذا ترجم على أرض الواقع بحرب استخباراتية بين المتنافسين راح ضحيتها عدد كبير من أبناء الجنوب الذين كان من الممكن أن يشكلوا نواة مشروع مغاير، وتشير المعلومات إلى آنه منذ سقوط الجنوب في آب/2018، شهدت محافظة درعا 300 عملية اغتيال طالت جميع الأطراف.

القيادي في الجبهة الجنوبية قال: “الاغتيالات هي نتيجة الصراع بين مليشيات إيران وروسيا وبينهما النظام وكانت الحلقة الأضعف في هذه الأرض ما تبقى من مقاتلين على عهد الثورة الأول فذهب العشرات منهم ضحية صراع على النفوذ”.

موسكو تستنفر أدواتها

دفع التمدد الإيراني المتزايد في الجنوب روسيا لاستنفار أدواتها على رأسهم خالد المحاميد الذي صرح قبل أيام بوجود شعبية كبيرة للفيلق الخامس التابع لجيش النظام والمدعوم من روسيا، في محافظة درعا جنوب سوريا وأن عدد المنتسبين له مؤخراً بلغ 20 ألف مقاتل من أبناء المنطقة على الرغم من عدم تخصيص رواتب شهرية لهم.

وأشار المحاميد المقرّب من روسيا، أن اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس والذي يتزعّمه “أحمد العودة” يزداد تعداده بشكل كبير على حساب الفرقة الرابعة والميليشيات الأخرى المدعومة من إيران. متهماً “حزب الله” بالوقوف وراء التفجير الذي استهدف حافلة للفيلق الخامس شرق درعا.

وبعد ساعات من تصريح المحاميد” أعلن “العودة” عزمه عن انشاء الجيش الموحد في جنوب سوريا بقيادة الفيلق الخامس للوقوف بوجه إيران، إلا أن هذا المشروع قديم وحصلت عدة اجتماعات منذ بداية عام 2020 بهدف إقناع ممثلي الريف الغربي ومدينة درعا للموافقة والانخراط في المشروع كان أخرها الأسبوع الماضي في مدينة بصرى الشام، وجميعها انتهت دون توافق ليأتي تفجير الحافلة ويعيد خلط الأوراق والحسابات في المنطقة من جديد.

“أحمد العودة” عند إعلانه عن قرب تشكيل جسم عسكري في محافظة درعا

أحد متزعمي المجموعات المقاتلة في مدينة درعا وضح في حديثة لنبأ “ما يجري الآن من محاولات أحمد العودة لتزعم المشهد في الجنوب هو نتيجة ضغط من النظام مورسَ على مجموعات المقاتلين داخل مدينة درعا وريفها الغربي منذُ آذار/2020 الذين كانوا رافضين على مدار العامين الماضيين الخضوع لأيٍ من الأطراف المتصارعة في الجنوب، فحاول “العودة” استثمار هذه الضغوط وعقد عدة اجتماعات مع لجان مدينة درعا والريف الغربي وصولاً إلى ما نحنُ عليه اليوم.

وتجدر الإشارة إلى أن مجهولين أطلقوا النار على مجموعة من أعضاء اللجنة المركزية للريف الغربي بدرعا أثناء عودتهم من اجتماع مع “العودة” في مدينة بصرى الشام نهاية أيار/مايو الماضي، ما أدى لمقتل وجرح عدد منهم.

ملامح السباق المحموم بين روسيا وإيران للسيطرة على الجنوب

تحركات روسيا الأخيرة للحد من النفوذ الإيراني جاءت بعد أن استكملت إيران على مدى شهرين انتشارها من حدود مدينة درعا مروراً بالريف الغربي وحوض اليرموك وصولاً إلى الشريط الفاصل مع الجولان السوري المحتل، حيثُ شهدَ شهر أيار/مايو الماضي تعزيزات عسكرية إيرانية تمركزت داخل نقاط السرو والتابلين والمفطرة المحيطة بمدينة طفس وبلدة اليادودة ونقاط أخرى أبرزها تل الخضر، كما شوهدت سيارات دفع رباعي بعضها مزوّدة برشاشات متوسطة، تدخل إلى سرية خرابة الشحم على الحدود مع الأردن.

مجموعة تابعة لحزب الله دخلت بالزي الرسمي عبر سيارات دفع رباعي إلى منطقة حوض اليرموك مؤخراً، واستطلعت في مناطق جملة وعابدين وبيت آره، كما زاروا موقع عسكري استحدثته قوات النظام مؤخراً في منطقة زراعية تبعد بضعة كيلو مترات عن الحدود مع الجولان المحتل، تواجد حزب الله خلال الشهر الأخير كان لافت في مناطق عدة بريف درعا والقنيطرة، ويتركز انتشار عناصره غالباً في مقرات الفرقتين الخامسة والرابعة التابعتين للنظام والمقرّبتان من قوات إيران وحزب الله.

ودفع النظام بتعزيزات جديدة من الفرقة الرابعة إلى غرب درعا، مزوّدة بآليات عسكرية ومدرعات ورشاشات متوسطة وثقيلة، التعزيزات العسكرية توزعت على منطقتي مدينة درعا “حي المطار – ضاحية درعا – الملعب البلدي”، والريف الغربي “السرو – تل الخضر – التابلين – المفطرة” وهي نقاط تتمركز فيها قوات النظام من قبل وتحيط بمدينة طفس وبلدتي اليادودة والمزيريب.

ونشر مجموعات قتالية تابعة للفرقة الرابعة، في مواقع عدة من بلدتي المزيريب واليادودة في ريف درعا الغربي، أن قرابة 200 عنصر من الفرقة، تمركزوا في مبنى مديرية الري الواقعة بين بلدتي المزيريب واليادودة، وبدأوا في عمليات تحصين ورفع سواتر ترابية في محيطة المبنى.

انتشار قوات الفرقة الرابعة في مناطق بريف درعا الغربي.

وأضافت، أن خمس دبابات وعدد من المضادات الأرضية وعشرات العناصر التابعين للّواء 42 دبابات من الفرقة الرابعة، وصلت إلى قرية خراب الشحم من منطقة الضاحية في مدينة درعا، كما تمركز عدد آخر في مزرعة خاصة على أطراف قرية نهج المجاورة.

وتأتي هذه التطورات بعد أيام من زيارة اللواء “حسام لوقا” مسؤول اللجنة الأمنية في درعا والعقيد في الفرقة الرابعة “غياث دلة”، إلى المنطقة الغربية برفقة عدد من أعضاء اللجنة المركزية في الريف الغربي، واستطلعوا مناطق عدة لنشر حواجز عسكرية في اليادودة والمزيريب وتل شهاب وطفس وقرى محيطة.

بالمقابل دخلت قوات روسية إلى بلدة اليادودة غرب درعا، برفقة رئيس فرع الأمن العسكري بدرعا “لؤي العلي” إضافةً إلى استحداث القوات الروسية مركزاً لاستقبال الشكاوى في مدينة درعا من لجان التفاوض وممثلي المناطق وجمع قوائم لأسماء المعتقلين المغيبين في سجون النظام منذ سنوات.

صراع النفوذ بين القوتين (إيران – روسيا) فتح الباب لإعادة تلميع “أحمد العودة” وتزوير الذاكرة للألاف من أبناء الجنوب الذين يعلمون حق المعرفة بأن أي مشاريع تأتي عبر هذه الشخصيات لن تعود إلا بالكوارث على أبناء المنطقة.

في هذا السياق قال القيادي السابق في الجبهة الجنوبية: “معلوماتي أن العودة خلال المفاوضات على مصير الجنوب في حزيران/2018 كان بموقع الذليل والمتلقي للأوامر وقدم تنازلات غير مبررة وكان واضحاً خلال جلسات التفاوض أن هناك أريحية كبيرة بين العودة ورئيسة وفد النظام كنانة حويجة آنذاك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى