مجتمع

علبة الدواء ولقمة العيش.. تحديات ذوي الإعاقة من جرحى الحرب

فداء الحسن، اسماعيل المسالمة/ نبأ

لم يعتد “أحمد أبو إبراهيم” على الانتظار لأكثر من شهرين حتى يحصل على علبة دواء يعادل ثمنها ثلاث وجبات غداء لأطفاله، في وقت تُعتبر فيه لقمة العيش أقصى ما يُمكن تأمينه.

أحمد والذي فقد ساقه بغارة جوية شرق درعا قبل أيام من سيطرة النظام على المحافظة قبل عامين، ما زال يواجه تحديات كبيرة على رأسها: “علبة الدواء ولقمة العيش”

يقول أحمد أبو إبراهيم وهو أب لطفلين: “أفتقد كمصاب إلى الكثير من الاحتياجات وعلى رأسها طرف سفلي بدل ساقي المبتورة، وهو ما يتطلب مبلغ مالي كبير لا يتوفر منه شيء”.

يتابع أبو إبراهيم لـنبأ: “أنا والكثير من الجرحى من ذوي الإعاقة أصحاب الدخل المحدود، نفتقد في الوقت الحالي الرعاية الصحية والأدوية التي يصعب الحصول عليها في كثير من الأحيان في صيدليات درعا، ما يضطرّنا إلى تأمينها من صيدليات دمشق بأسعار خيالية وخاصة في الآونة الأخيرة أي بعد الارتفاع الكبير بأسعار الأدوية”.

ولا تتوفر إحصائيات دقيقة حول أعداد الجرحى الذين تسببت لهم إصاباتهم بإعاقات جسمية أو بتر بالأطراف في درعا، لكن بحسب تقديرات محلية فإن أعدادهم تزيد عن خمسة آلاف شخص، جزء منهم لجأ إلى الأردن خلال السنوات الماضية، في حين أحصت منظمة الصحة العالمية عام 2017 ما لا يقل عن 1.5 مليون سوري أُصيبوا بالإعاقة منذ العام 2011، ثلثهم من الأطفال.


وأوضح أن هناك اختلافاً كبيراً في العناية الطبية للمصابين وخاصة ذوي الإعاقة قبل سيطرة النظام على المنطقة وبعدها، حيث أن مشافي المعارضة كانت أكثر انتشاراً واهتماماً، فضلاً عن  خدماتها المجانية وأبرزها تقديم الأدوية دون أدنى تكلفة مالية.

وأضاف أن المشافي والمستوصفات التابعة للنظام وبسبب إمكانياتها المعدومة ترسل المراجعين للمشافي الخاصة التي تحتاج لمبالغ باهظة أقلّها مليون ليرة لأبسط عمل جراحي كما أن جميع أنواع الأدوية يتم شراؤها من الصيدليات بتكلفة مرتفعة”.

وعلى الرغم من تدني الأجور في سوريا بمتوسط لا يتجاوز 50 ألف ليرة سورية، إلا أن أسعار الأدوية بمعظمها ارتفع بنسبة بين 100 – 300 بالمئة مع تدني سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، ما زاد من تكلفة قائمة الأدوية التي يحتاجها المصاب لتصل إلى 10 آلاف ليرة على الأقل.

ومع تفاقم معاناة السكان في ظل الأزمة الاقتصادية، أتبع أبو إبراهيم: “الأولوية اليوم هي تأمين لقمة العيش وليس الدواء، الحالة التي وصلنا لها لا يُمكن أن يتصوّرها أحد فلا أخجل إذا قلت لك أنني بحاجة للمساعدة”.

مع سيطرة النظام على جنوب سوريا قبل عامين، أغلقت جميع المشافي الميدانية والمراكز الطبية أبوابها وسلّمت جميع معداتها لمديرية الصحة في حكومة النظام بموجب اتفاق التسوية، بما فيها المراكز التي كانت تُعنى بشؤون ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة دون أي بديل يقدم بعضاً من الاحتياجات لهم وأبرزها العلاج الفيزيائي والفحوصات الدورية.


الطبيب فايز أحمد (اسم مستعار) يقول لـنبأ إن معظم الكوادر الطبية التي كانت تعمل في المشافي الميدانية، اتجهت للعمل في عيادات أو مشافي خاصة، لكن البعض من الأطباء يساعدون الجرحى من خلال تخفيض قيمة أجرتهم عند إجراء الفحوصات أو العمليات لكن رغم ذلك يضطر المريض للدفع.

وتوقع الطبيب أحمد أن يزداد الوضع سوءاً لدى الجرحى الذين ما زالوا يعانون من إصاباتهم السابقة نظراً لانعدام الرعاية الطبية وتفاقم التضييق المعيشي “المتعمّد”، على حدّ وصفه.

وقبل سيطرة النظام على المحافظة، كانت برامج ومنظمات عدة تعنى بشؤون ذوي الإعاقة، تنظم رحلات علاجية لمصابين في درعا إلى الأردن، بعضهم حصل على فرصة للعلاج في الدول الغربية من خلال منظمات دولية أبرزها الصليب الأحمر.

وأشار الطبيب الذي كان يعمل في إحدى المشافي الميدانية بدرعا، إلى أن مديرية الصحة في حكومة النظام تعاني من نقص حاد في الأدوية وما يتم تقديمه أحياناً للجرحى لا يسد حاجة نسبة قليلة منهم، أما منظمة الهلال الأحمر تقتصر مساعدتها للجرحى على “الفوط الصحية” لذوي الإعاقة في الفراش وذلك مرة واحدة فقط كل ثلاث شهور.

من جهته، قال الطبيب أسامة أبو العز في الجمعية الطبية السورية – الأميركية “سامز” لـنبأ، إن الإصابات العظمية والعصبية تتطلب علاج فيزيائي مبكّر لأهميته في الحفاظ على حركة المفاصل ونشاط العضلات، والتأخر به قد يؤدي إلى تدهور وظيفة الطرف أو حتى تراجع في وظيفة الجهاز العصبي المغذي له.

وحول انعدام العلاج الفيزيائي للجرحى، أوضح الطبيب أسامة أن ذلك قد يفوّت فرصة الشفاء أو على الأقل تحسن وظيفة الطرف عند المريض، والانقطاع عن العلاج الفيزيائي قد يقطع سلسلة علاج استغرقت مدة طويلة وجهد كبير من المريض ومن الممكن أن يؤدي إلى خسارة درجة التحسّن التي وصل إليها.

أما عن البديل وما إذا كانت هناك فرصة لتدارك انقطاع الرعاية الطبية ولو بالحد الأدنى، نصح أبو العز بتدريب فريق للعلاج الفيزيائي وإن كان عبر الانترنت، يقدم خدماته للجرحى في منازلهم أو حتى من خلال التحدث بالفيديو عبر الانترنت في حال كان التنقّل يشكل خطراً على حياتهم.

وبيّن الطبيب أن العلاج في المنزل باستخدام أجهزة بسيطة أو من دونها إن لم تتوفر، يساعد بشكل كبير في التنبيه على التحريك الباكر ولا سيما عند الأطفال الذين يعانون من إعاقات حيث أن انعدام الرعاية الطبية لهم قد يؤدي إلى خسارة المفصل بشكل كامل وبالتالي مشاكل في التطور العمري.

ومع سيطرة النظام على الجنوب السوري في آب/ أغسطس عام 2018، انقطعت جميع أشكال الدعم والمساعدات الإنسانية للمراكز التي كانت تعنى بشؤون ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة والأيتام، وتخوفاً من الملاحقة الأمنية توقفت النشاطات الطوعية التي كان يقوم بها البعض من المتطوعين والكوادر الطبية لمساعدة المصابين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى