تعرف على اللجان التي فاوضت روسيا والنظام السوري طوال عامين | تقرير
نبأ | علي حسن – ابراهيم علي حمد
مثَّل اتفاق التسوية الذي عُقد في السادس من يوليو 2018 م بين النظام السوري والفصائل المعارضة جنوب سوريا، وتد الانتصار الأول الذي ثبَّته النظام وحلفاؤه بالجنوب السوري، منذ بِدء حملة النظام العسكرية مدعومة بالقوة الجوية الروسية والميليشيات الإيرانية في 19 يونيو من العام نفسه، وكان اتفاق التسوية الذي عقده النظام مع قوات المعارضة في درعا وريفها الشرقي شبيهاً في شكله ومضمونه لما جرى بعده من اتفاقيات في محافظة القنيطرة وريف درعا الغربي.
ومع انطلاق آخر حافلات التهجير في 11 أغسطس 2018م كانت قوات النظام قد بسطت سيطرتها على كامل مواقع المعارضة في الجنوب السوري، وعاد ما يزيد عن 800 ألف نسمة إلى العيش تحت سلطة النظام مجددًا بعد سبعة أعوام من سلطة المعارضة عليهم، العودة التي دفعت قادة المنطقة الذين أقنعوا أبنائها بالبقاء، إلى إعادة تدوير أسمائهم في المشهد الجديد بمواضع مختلفة وغايات متضاربة.
سياقات ظهور الوساطة المحلية
مثَّلت لجنة المفاوضات المركزية التي جرى تشكيلها من قبل غرفة العمليات المركزية في الجنوب في 3 يوليو لعام 2018 م، الجسم التفاوضي الأول مع النظام السوري وحليفه “الضامن” الروسي، وقد تمكنت اللجنة التي انتُدبت لتمثيل الجنوب السوري بأكمله من الوصول إلى اتفاق تسوية وتضمين بنودٍ تضمن إيقاف الحملة العسكرية، وتسوية أوضاع السكان والمنشقين وتأجيل سوق المطلوبين للخدمة الإلزامية.
غير أنَّ عمل لجنة المفاوضات المركزية اقتصر على توقيع اتفاق التسوية مع النظام السوري، ولم يتعدَّاه إلى ما بعده، على الرغم من ضرورة استمرار اللجنة بهيكليتها الجامعة وصفتها التمثيلية للجنوب لمواصلة الحوار مع الروس، وضمان تنفيذ بنود الاتفاق ومراقبة الانتهاكات الحاصلة من الطرفين وتوثيقها.
وفي ظل اختلاف موازين القوى، وبروز سباق النفوذ على الأرض بين النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، شهدت مجموعات الثورة المتهالكة تشظيات جديدة، وخسرت الحواضن الشعبية كثيراً من أبنائها الذين أعادوا تموضعهم ضمن صفوف النظام والميليشيات الإيرانية.
ومع تبدِّي مؤشرات عدَّة على عدم جدّية النظام في تطبيق بنود التسوية، عمد بعض الفاعلين المحليين من مدنيين وعسكريين إلى لعب أدوار وساطة مع النظام وحلفائه لضمان تنفيذ الاتفاق الذي يقي بثلاثة عشر بنداً أبناء مناطقهم من بطش المنتصر الناقم، ويحفظ لمناهضي النظام حقوقهم وأموالهم وممتلكاتهم ووظائفهم.
وقد بحثت مؤسسة نبأ في أدوار الوسطاء المحليين الفاعلين في الجنوب السوري، وستعمل من خلال سلسلة تقارير معمّقة -يمثل هذا التقرير الجزء الأول منها- على التعريف بأهم لجان التفاوض في الجنوب السوري، وقياس استجابة الدولة لها، وإبراز مستويات تأثيرها على صعيد التمثيل وترسيخ الأمن وحفظ الهوية وتلبية الخدمات، ويدور التقرير الحالي حول لجنة المفاوضات في مدينة درعا أو ما تعرف باسم “لجنة مدينة درعا”.
لجنة مدينة درعا
تشكّلت لجنة مدينة درعا بعد أسابيع قليلة من تنفيذ أولى بنود الاتفاق، والتي تضمنت البدء بتسليم السلاح الثقيل تدريجياً، وتهجير رافضي التسوية إلى الشمال السوري في 15 يوليو 2018 م، وقد جاء تشكيل اللجنة بهدف مواصلة الحوار مع النظام السوري والضامن الروسي، لضمان تنفيذ بنود الاتفاق، وتلقّي الشكاوى من الأهالي والتحدث باسمهم عبر قنوات اتصال رسمية.
وضمَّت اللجنة في بداية تشكيلها اثنا عشر عضواً من قيادات الحراك الثوري في مدينة درعا، بتمثيل نوعي شمل ثمانية من أبرز القيادات العسكرية وأربعة من أبرز القيادات المدنية في درعا، وتمثيل جغرافي لمختلف أحياء درعا المدينة الخاضعة للتسوية بما فيها مخيم درعا، وتمثيل عشائري راعى التوازنات العشائرية الكبرى في المدينة، وعلى الرغم من كل المعايير التي وُجدت في اللجنة لتحقيق التوازنات المعتبرة، فإن عملية تشكيلها قامت على أساس تطوُّعي وليس انتخابي أو ترشيحي.
وقد جمعت اللجنة في بداية تأسيسها كل من (القيادي رمزي أبازيد، الشيخ فيصل أبازيد، القيادي أبو عمر أبازيد، الدكتور عبد الرحمن مسالمة، المحامي عدنان مسالمة، المهندس جهاد مسالمة، القيادي أبو شريف المحاميد، الدكتور زياد المحاميد، القيادي ابراهيم المحاميد، القيادي أدهم أكراد، القيادي أبو شلاش، القيادي أبو منذر الدهني)، إلا أن عدد أعضاءها اقتصر لاحقاً على تسعة أعضاء بعد سفر كلٌ من جهاد مسالمة وابراهيم المحاميد إلى الإمارات المتحدة، واستقالة أدهم أكراد من عضوية اللجنة والتي أعلن عنها عبر صفحته في موقع فيسبوك.
صورة تظهر ثلاثة من أعضاء لجنة التفاوض في مدينة درعا خلال احتجاج شعبي
مساعي اللجنة وعراقيل النظام
طالبتْ لجنة مدينة درعا منذ بداية تشكيلها بحقوق وحريات المدنيين في أحياء درعا الخاضعة لاتفاق التسوية، والمتمثلة في ضمان عدم مساءلتهم أو اعتقالهم أو تصفيتهم أو تجنيدهم من قبل النظام السوري وحلفائه ومجموعاتهم الرديفة، كما سعتْ إلى تحقيق متطلبات أبناء مدينة درعا وتلبية احتياجاتهم الرئيسية.
لكنّ جهود اللجنة المبذولة لم تلق استجابة حقيقية من النظام الذي خرق شروط الاتفاق على حد قول عبد الرحمن وهو مدرس أجرى تسوية في درعا، ما دفع باللجنة إلى مواجهة تجاوزات النظام المستمرة كاعتقال المطلوبين على خلفية التهم الموجّهة إليهم مسبقاً، وإلحاق المنشقين بالقطع العسكرية.
وتابع عبد الرحمن، اشتمل عمل اللجنة أيضاً على الاتصال مع مؤسسات النظام للمطالبة بالخدمات الرئيسية التي امتنع النظام عن تقديمها كالرعاية الصحية وجمع القمامة وتوفير اسطوانات الغاز وتعبيد الطرقات وإصلاح شبكات الكهرباء والماء والهاتف المتضررة.
إغراق اللجنة في التفاصيل
وقال محمّد ممرّض سابق في المشفى الميداني، إنَّ السلطات الحكومية قطعت موارد الرعاية الصحية عن شطر درعا الخارج عن نفوذها بعد إغلاقها للمشافي الميدانية ومصادرة معداتها الطبية، في ظل تخوّف الأهالي من مراجعة المشفى الوطني بعد تكرر حوادث اعتقال المطلوبين من غرف المشفى وأروقته.
وحول سير العملية التربوية، أوضح محمّد أنَّ النظام امتنع عن ترميم العديد من المدارس في مدينة درعا، وأشار إلى أنَّ أخاه الحائز على شهادة الثانوية العامة قبل ثلاثة أعوام من إحدى مدراس الائتلاف السوري، رُفضت شهادته ولم يتم الاعتراف بها من قبل مديرية التربية التي طالبته بإعادة تقديم الثانوية العامة في مراكز الامتحان الحكومية تحت خطر الاعتقال والتجنيد الذي حلَّ ببعض أقرانه.
وعند سؤاله حول استجابة الحكومة للشكاوى، ذكر محمدّ موقفاً حول مطالبة رئيس مديرية الكهرباء سكان الأحياء التي كان يسيطر عليها المعارضة بدفع فواتير الكهرباء المتراكمة على مدار السنوات الماضية، بالتزامن مع منع الحواجز المنتشرة على أطراف المدينة السكان من دخول المدينة حتى يدفعوا مستحقاتهم، ما دفع لجنة المدينة إلى التدخل والتعبير عن عجز المدنيين عن دفع تلك الفواتير، لكن محافظ درعا خالد الهنوس الذي رفض مقابلة أعضاء في اللجنة للتفاوض على القرار، هدَّد بقطع الكهرباء بشكل نهائي حال التأخر بدفع الفواتير المتراكمة.
قنوات التواصل
عمدت لجنة المدينة من بداية عملها إلى فتح قنوات اتصال رسمية مع مختلف الشخصيات المعنية في الملفات الأمنية والخدمية ضمن أجهزة النظام ومؤسساته، بهدف ضمان حقوق وحريات المدنيين في أحياء درعا الخاضعة لاتفاق التسوية، وتحقيق متطلباتهم وتلبية احتياجاتهم الرئيسية على حد قول أبو محمد أحد وجهاء مدينة درعا.
وتمكنت اللجنة في عامها الأول من إجراء اتصالات مفتوحة واجتماعات واسعة مع الكثير من الشخصيات المحورية في النظام السوري، كان أبرزها اجتماع لجنتي مدينة درعا واللجنة المركزية الذي عٌقد في الأول من أبريل عام 2019م في مكتب الأمن القومي بدمشق مع كل من رئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك، ووزير الدفاع السوري العماد علي أيوب، ورئيس المخابرات العسكرية اللواء كفاح ملحم، وعدد من ضباط جيش النظام.
وحول أهم النقاط التي كانت تتقدّم بها اللجنة إلى ممثلي النظام في مختلف الاجتماعات التي عقدتها معهم، ذكر أبو محمد، تركيز اللجنة على ضرورة تطبيق بنود اتفاق التسوية كاملة، وأبرزها إخراج الميليشيات الإيرانية من الجنوب السوري، ورفع القبضة الأمنية عن المحافظة، ومنع الاعتقالات بحق المدنيين والمطلوبين الذين أجروا عملية التسوية، وإزالة الحواجز من المناطق التي شُملت باتفاق التسوية، وإزالة جميع المظاهر العسكرية من الأسواق والمناطق الصناعية والتجمعات المدنية.
وتابع أبو محمد، كما تبحث اللجنة في كل اجتماع قضيّة المعتقلين، وتطالب بعودة الطلاب الجامعيين إلى جامعاتهم والموظفين إلى دوائرهم والأطباء والمهندسين والمحامين إلى نقاباتهم، بالإضافة إلى تيسير تأجيل الخدمة العسكرية للطلاب الجامعيين، وتسريح العسكريين المنشقين الذين أعادوا الالتحاق بقطعهم العسكرية أخيراً وكانت دوراتهم العسكرية قد سرحت.
وأوضح أبو محمّد أنَّ مسؤولي النظام كانوا على الدوام يُبدون تفاعلاً كبيراُ مع كلام ممثلي اللجنة خلال الاجتماعات، ويقدمون وعوداً كثيرة بتنفيذ المطالب وتصحيح الأوضاع، دون إحداث أي تغيير في سياسات النظام، الأمر الذي دفعنا لإدراك تلاعب النظام بنا، واستنساخه لسياساته القديمة، في إشارة من أبو محمّد إلى اجتماعات القصر الرئاسي التي دعا إليها بشار الأسد قادة الحراك المدني بدرعا عام 2011 م، قبل أن يقوم لاحقاً وبعد اقتحام المدينة بملاحقتهم واعتقالهم.
الأمن العسكري وحصان طروادة
لم يكتف النظام السوري باعتقال المطلوبين وسوق المدنيين إلى الخدمة العسكرية، وقطع الخدمات الرئيسية عن السكان، وإعادة المنشقين إلى قطعهم العسكرية، كما يقول أسامة أحد مقاتلي الجيش الحر سابقاً، لكنه تحايل أيضاً على البند الرئيسي باتفاق التسوية والذي ينصُّ على عدم دخول قوات النظام إلى المناطق الخاضعة للتسوية.
وأضاف أسامة، عمد لؤي العلي رئيس فرع الأمن العسكري بدرعا إلى استقطاب مقاتلي الفصائل المعارضة وتجنيدهم ضمن صفوف الأمن العسكري، ثم عاود زرعهم في مناطق التسوية لتنفيذ المهمات الأمنية التي تعجز أذرعه الأمنية عن تنفيذها.
ونوّه أسامة إلى أنَّ مجموعات الأمن العسكري، وغيرها من القوات الرديفة كالفرقة الرابعة والأمن السياسي، توزعت في مناطق التسويات وفق سياستين، الأولى هي سياسة التوَّغل بالسر والتي عمل بها أفرادٌ أمنيون متخفون لأهداف المراقبة والإخبار والاختراق والمهام الأمنية الخفيفة، والثانية هي سياسة العمل بالعلن والتي عملت بها المجموعات الرديفة ذات الثقل البشري والعتاد العسكري الثقيل كذراع الأمن العسكري مصطفى الكسم وهو قيادي سابق ثبّت حاجزاً عسكرياً في حي سجنا بدرعا البلد وتتجول مجموعاته في دوريّات مسلحة وعلنية باستمرار.
قائد إحدى المجموعات الرديفة للأمن العسكري في درعا مصطفى الكسم، والذي كان سابقاً قائد في الجيش الحر
وفي حديث مع عمر الحوراني مراسل قناة الجزيرة بسوريا، وصف الحوراني الحالة الأمنية التي شهدتها المدينة خلال عامي التسوية بأنها “الأسوأ على الإطلاق”، حيث شهدت مناطق التسويات خلال هذه المرحلة عمليات خطف واغتيال مكثفة نُفّذ بعضها من قبل مجموعات تابعة للأمن العسكري كما نُفّذ بعضها الآخر بحق هذه المجموعات.
وحول قدرة لجنة المدينة على ضبط المنطقة، أشار الحوراني إلى صعوبات جمَّة تحدُّ من قدرة اللجنة على تأمين أحياء المدينة، يتلخص أهمها في غياب قوة تنفيذية تحوز السلاح بعد تحييده وفقاً لاتفاق التسوية، وتعسُّر كشف الخلايا الأمنية التي تتكون من مقاتلين سابقين من أبناء المنطقة، فضلاً عن تفوُّق المجموعات الرديفة المقاتلة التي تُلِمًّ بأحياء المدينة بسبب الإمكانيات الاستخبارية واللوجستية المتطورة التي سخرَّها النظام للمجموعات الرديفة والخلايا الأمنية.
وتشير إحصائيات مكتب توثيق الشهداء في درعا إلى أنَّ عام 2020م وحده شهد 27 عملية اغتيال، منها سبع حوادث اغتيال بحق عناصر من المجموعات الرديفة التي تتبع للأمن العسكري والفرقة الرابعة، بالإضافة إلى 13 عملية اغتيال بحق عناصر سابقين في الجيش الحر ممن أجروا عملية التسوية ولم يمارسوا أية أنشطة عسكرية بعدها.
هل تملك اللجنة أوراق ضغط؟
بالرغم من ضعف إمكانيات اللجنة وقلة حيلتها في كثير من الأحيان، فقد حظيت بدعم كُلي من وجهاء درعا وحاضنتها الشعبية وقادة سابقين في الحراك المدني والعسكري الذين يجدون في اللجنة على حد قول الناشط أحمد مسالمة “ممثلاً صادقاً عنهم”، ويُرجع المسالمة الانتهاكات والتجاهل المتقصّد لمطالب السكان إلى سياسة العقاب الجماعي التي ينتهجها النظام لإذلال المدينة والانتقام من أهلها.
وفي ظل عدم توفر القدرة لدى لجنة المدينة على المساومة الفعلية مع النظام وحلفاءه، فقد استفادت اللجنة من الدعم الشعبي لها، واستثمرت الغضب المتنامي لدى السكان جرّاء سياسات النظام المتكررة، ولوّحت به في وجه مسؤولي الدولة كورقة ضغط للحد من الممارسات الأمنية القمعية، وقد استخدمت اللجنة هذه الورقة مرات عدة.
حيث أطلق فرع المخابرات الجوية سراح طبيب وشقيق له بعد اعتقالهما في طريقهما إلى الشمال السوري في أيلول 2019م، إثر تهديد من اللجنة بإثارة احتجاجات في مدينة درعا، كما هدد القيادي وعضو لجنة المدينة سابقاً أدهم الأكراد عبر صفحته في فيس بوك، النظام السوري بإعادة تفعيل “غرفة عمليات البنيان المرصوص” إذا استمرت أجهزة النظام بعمليات الخطف والاعتقال بحق المدنيين في المنطقة.
وبعد اعتقال الأمن العسكري في 3مارس 2020م لسيدة في مركز الهلال الأحمر لتوفر اسم زوجها في قوائم المطلوبين، تظاهر نحو مئتي شخص بالسلاح عند ساحة المسجد العمري، وأغلقوا الطرقات عبر إشعال النيران فيها وأطلق مقاتلون في فصائل عسكرية النار بالهواء، مهددين بالتصعيد إن لم تطلق قوات النظام سراح السيدة، ما دفع بالأمن العسكري إلى الإفراج السريع عن السيدة بعد يومين من التظاهر لأجلها.
ويوضح أحمد أنَّ عشرات الاحتجاجات أُقيمت على مدار عامين في مدينة درعا، في كلِّ فرصةٍ ممكنة وعند كل حاجةٍ ملحة، للتنديد بالممارسات القمعية، والمطالبة بالمعتقلين، والتنديد بسياسات الخطف والاغتيال، والتضامن مع أبناء المناطق السورية الأخرى، بحضورٍ مستمر ورسائل مصوّرة لأعضاء لجنة المدينة في جميع تلك التظاهرات، في إشارة إلى دورهم المحرّك في إخراج المظاهرات والحفاظ على طابع الهوّية الثورية للمدينة.
أين أخطأت لجنة المدينة؟
أجاب حسين وهو مدني وصل مع قافلة التهجير إلى الشمال واستقرَّ في عفرين، بأنَّ اللجنة وعلى الرغم من توّفر إيجابيات لها، إلا أنها أضعفت الروح الثورية لدى أبناء المنطقة، من خلال تماهيها وجلساتها المكثفة مع مؤسسات النظام غير الشرعية على حد تعبيره، وحرصها المستمر على تحييد الجانب العسكري من المشهد، وقتل الروح القتالية لدى المقاتلين الذين وثقوا بتطمينات اللجنة وانخرطوا طوال عامين بالحياة المدنية.
ويرى محمّد وهو ممرّض سابق في المشفى الميداني، أنَّ وجود اللجنة بحدِّ ذاته يصبُّ في صالح النظام السوري، وتابع محمد، لا يضطر النظام مع وجود اللجنة إلى التعامل مع تكتلات متفرقة، وعلى الرغم من تجاوز النظام لبنود الاتفاق واختراقه لمناطق التسويات، فإننا بالمقابل مكبلون عاجزون عن الإيتاء بأي خطوة متهورة، بسبب تواجد شخوص اللجنة في الواجهة والتخوف الدائم من تعرضهم للمساءلة والخطر.
ويعتقد عمر وهو مقاتل سابق أجرى تسوية ثم خرج بطرق غير مشروعة إلى الشمال، أنَّ لجنة المدينة لعبت دوراً خطيراً في تعميق حالة الانفصال بين الداخل والخارج، ويضيف عمر، كان مشهد الانقسام بين الداخل والخارج حاضراً منذ أيام الثورة الأولى، لكنه بعد التسويات تطور إلى مستوى جديد كلياً، واصفاً شعوره “بالصدمة والأسف” من حالة التفرقة الممنهجة التي يشارك بترسيخها أعضاء في لجنة المدينة.
ويجيب أسامة وهو مقاتل سابق خضع للتسوية في درعا، على سؤالنا حول أخطاء لجنة المدينة بقوله، أعتقد أنَّ أكبر خطأ استراتيجي وقعت به اللجنة، تمثَّل في كونها أجرت اتفاق التسوية مع الضامن الروسي، ثم حصرت اتصالها بالنظام السوري، ويستأنف أسامة، لقد استغل النظام اتجاه اللجنة، وافتتح قنوات تواصل عديدة معهم، لتخفيف اتصالهم مع الروس، وعمل على تحقيق بعض مطالبهم، حتى ضمن حصر علاقتهم به، ثم قام بالتصعيد الأمني مستغلاً افتقار اللجنة إلى الدعم الروسي الحقيقي بسبب ضعف الاتصال، لا سيما وأنَّ لجنة المدينة تضم أعضاء لا يحظون بثقة روسيا بسبب سلوكهم خلال مفاوضات صيف ٢٠١٨ م
هل وجود اللجنة أفضل من غيابها؟
أجاب عمر الحوراني مراسل قناة الجزيرة بسوريا، بأنَّ اللجنة تمكنت من توحيد كلمة المدينة، وضبطت ردود أفعال السكان، على الرغم من ضعف فاعلية اللجنة والذي يعود لعرقلة النظام لعملها من جهة، وعدم تأديته لالتزاماته الواردة باتفاق التسوية من جهة أخرى، في حين تدلل استجابة السكان لتوجيهات اللجنة على حيازة اللجنة ثقة أبناء المدينة، وقوّة شرعيتها وتمثيلها للسكان.
وبدوره أشار محمّد وهو ممرّض سابق في المشفى الميداني، إلى دور اللجنة في الحفاظ على مستوى معين من الخطاب الثوري، وعلى مساهمتها في تأجيج الحراك المدني، للحفاظ على هويّة ثورية في أحياء المدينة الخاضعة للتسوية، على خلاف غيرها من مناطق التسويات السورية والتي خضعت بشكل كامل لإرادة النظام وفقدت صوتها وتأثيرها على حد تعبيره.
وبيَّن أبو محمد أحد وجهاء مدينة درعا، أنَّ لجنة مدينة درعا تمكنت من احتواء أبناء المدينة، ومنعت حسب قوله أكثر من 90 بالمئة منهم من الانضمام إلى القوات الرديفة المتمثلة بالأمن العسكري والفرقة الرابعة، ونوّه أيضاً إلى دور اللجنة “المحوري” على حد وصفه، في صد التوغل الشيعي في أحياء التسويات، وتفشيل كل محاولات جماعة حزب الله للتغلغل وصناعة النفوذ في المنطقة.
ويرى عمر وهو مقاتل سابق أجرى تسوية ثم خرج بطرق غير مشروعة إلى الشمال، أن غياب اللجنة غير وارد، ودورها في الضغط لإخراج المعتقلين وتلبية بعض الخدمات قد عاد بنتائج مقبولة، مشيراً إلى أنَّ استمرار اللجنة في التفاوض مع النظام والضغط لتأمين حقوق وحريات المدنيين هو الخيار المنطقي حالياً، والذي أثبتت اللجنة أنها تستطيع أن تؤديه بشكل متوازن، منوهاً إلى ضرورة تفعيل التواصل مع الضامن الروسي.
فيما اعتبر الناشط أحمد مسالمة، عمليات التهديد ومحاولات الاغتيال التي جرت بحقِّ أعضاء في لجنة المفاوضات “كالشيخ فيصل أبازيد وكل من القياديين أبو عمر أبازيد، ورمزي أبازيد، وأبو شريف محاميد، وأدهم أكراد”، والتي تحمل جميعها توقيع النظام السوري، هي مؤشر واضح على امتعاض النظام من جهود اللجنة، وسعي مفضوح منه لتقويض دورها وتبديد تأثيرها عبر استهداف أعضاءها.
ووافق عبد الرحمن وهو مدرس أجرى تسوية بدرعا، الناشط أحمد رأيه حول امتعاض النظام من اللجنة، مشيراً إلى حضور حالة عامة من السخط والغضب لدى مسؤولي النظام من ضبط اللجنة لمناطق التسويات وتصديها لمحاولات التفرقة والتخريب، ومضيفاً “باعتقادي فإنَّ أكبر دليل على سعي أجهزة النظام إلى تقويض شرعية اللجنة في أعين سكان المدينة، هو دأب النظام المستمر على استقطاب مقاتلي المعارضة السابقين للانضمام إلى قوات الجيش والأمن، بهدف التضييق على الحاضنة الشعبية وكسر الروابط بين اللجنة والمدنيين”.