التقارير

قيادات الساعات الأخيرة.. من موائد الثورة إلى حضن النظام| تقرير

موسى الأحمد، مهند شحادة/ درعا
مموسى الأحمد، مهند شحادة/ درع
شكلت مسألة اختراق فصائل وقوى المعارضة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري بهدف تفكيكها وتفجير صراعات ثانوية داخل ما “تحكمه” من جغرافيا خدمةً لمصالحه، واحدةً من أهم سياسات الثاني على مدار سنوات الثورة، وفق ما تؤكده العديد من المصادر العسكرية والميدانية، معتبرةً تلك الاستراتيجية بما أفرزته من معطيات على أرض الواقع أحد أبرز المقدمات التي قادت نهايةً -بشكل أو بآخر-إلى سقوط معظم حواضن الثورة في سوريا.

المنطقة الجنوبية كغيرها من المناطق على امتداد جغرافيا الثورة استطاع النظام وعن طريق أساليب عديدة إسقاط وتجنيد الكثير من قيادات الفصائل العسكرية المحسوبة على الثورة، ليلعبوا على مدار سنوات أدوار أمنية وسياسية أسهمت بشكل كبير في ضرب الحاضنة الثورية من خلال إشاعة مناخ من الفوضى والتقاعس عن الواجبات الأساسية المناطة بهم إن كان على صعيد حفظ الأمن أو الدفاع عن المناطق التي تنتشر مجموعاتهم داخلها.

المقدم نجم أبو المجد القيادي السابق في الجيش الحر والمقيم حاليًا في الأردن أكد في حديثه لـمؤسسة نبأ، أن النظام سعى منذ البدايات لاختراق “مؤسسات” الثورة عسكريًا وسياسيًا بهدف إنتاج بنية تابعة له وتعمل بأمره، موضحًا “هذا التوصيف يمكن قراءته بوضوح في التحالفات بين شخصيات عسكرية وأخرى سياسية عاملة في الائتلاف وفرق التفاوض كما هو الحال بالنسبة لـ خالد المحاميد وأحمد العودة”، لافتًا إلى أن بعض الشخصيات   تدرجت من قيادات في صفوف الجيش الحر ثم أمراء في هيئة تحرير الشام -النصرة سابقاً- وتنظيم الدولة، قبل أن تعود إلى موقعها الأساسي في صفوف النظام مثل العقيد علي الورعة.

أبو المجد أشار إلى أن الدلائل على نجاح النظام في اختراق صفوف الثورة والمعارضة كثيرة سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، مضيفًا “هناك شواهد عديدة تؤكد أن الثورة كانت مخترقة على مدار سنوات، والكثير من هياكلها كان يعمل لتنفيذ خطط وسياسات النظام وحلفائه بالاعتماد على بعض القيادات مثل وسيم الزرقان قائد فصيل بركان حوران التابع حاليًا لفرع الأمن العسكري في منطقة عين شمس شمال درعا، وغيره كثر ساهموا بتسليم مناطق بأكملها للنظام”.

ربما تعيد هذه المعطيات إنتاج مشاهد الخذلان المهيمن على جمهور واسع لا سيما بعد “السقوط” والتهجير، وتفتح نافذة للإطلال على واقع أكثر مرارة شكله وهندس أحداثه ما يمكن تسميتهم قادات الساعة الأخيرة، والساعة الأخيرة في الحدث السوري امتدت أعوامًا دون أن تستطيع الثورة وضع حد لهم وتغيير مسار السيناريوهات المعدة بالاتفاق مع اللاعبين الإقليميين والدوليين.

هنا اعتبر النجم، أن أحد أهم ملامح هزيمة معظم المناطق الثائرة رسمه العملاء المزروعين داخل هياكل الثورة والذين ساهموا إلى حد بعيد في تنفيذ سياسات النظام وحلفائه بعد عجزهم لسنوات عن كسر صمود المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد والتي طالبت بتغيير نظام الحكم في البلاد، مضيفًا “جانب من جوانب السقوط أو الهزيمة يترتب بشكل أساسي على تلك الأسماء والشخصيات، عمليًا جزء كبير من تسليم حوران كان عن طريق القادة العملاء”.

بعيداً عن الخوض في تفاصيل البدايات ربما يصح القول، إن فترة ما قبل وخلال اتفاق التسوية الذي رعته موسكو في المنطقة الجنوبية في آب/ أغسطس عام 2018 عبّر بوضوح عن طبيعة القيادات العسكرية للمنطقة والتي يمكن إجمالها بثلاثة نماذج أساسية الأول اختار القتال ونهاية هُجر إلى الشمال السوري، أما الثاني فهم مجموعة من القادة خرجوا إلى الأردن وعاد بعضهم في فترة لاحقة، والثالث وهو الغالب عبرت عنه أسماء وشخصيات اختارت التصريح عن ارتباطها بالنظام وحلفائه والعمل تحت لوائهم ومن أبرزهم أحمد العودة قائد فصيل شباب السنة.

فتح اتفاق التسوية وما تبعه من وقائع الطريق أمام النظام وحلفائه لتوسيع قاعدة تجنيدهم لعناصر وقيادات فصائل المعارضة التي اختارت البقاء في المنطقة معتمدين في ذلك على منحهم بعض الامتيازات على الصعيد الأمني والاقتصادي المعاشي.

في هذا السياق أشار أبو المجد إلى أنه “بعد التسوية انتهج النظام أسلوب الترغيب والترهيب في سعيه لتجنيد عناصر وقيادات اختارت البقاء، فمنحهم رواتب شهرية بالإضافة إلى الوعود بمحو سجلاتهم الأمنية مقابل القتال في صفوفه خاصة على جبهات تنظيم الدولة أو تنفيذ أوامره في المناطق التي يتنشرون فيها وهو ما خلق واقع جديد في خارطة المجموعات العسكرية وفقًا للفرع الأمني أو التشكيل العسكري الذي تتبع له من فرقة رابعة إلى الأمن العسكري أو المخابرات الجوية وغيرها”.

من جهته قال الناشط معتز أبو كرم لـمؤسسة نبأ، “منذ الأسابيع الأولى عقب اتفاق التسوية عمد النظام لدمج ما تبقى من عناصر وقيادات ضمن تشكيلاته ومنحهم شكل من أشكال الحصانة الأمنية ورواتب شهرية سواء في مدينة درعا أو الريفين الغربي والشرقي، أما من رفض فاعتمد معهم أساليبه الاعتيادية من الاعتقال والتصفية كما حدث مع العميد المنشق موسى الزعبي قائد لواء القادسيتين وفارس أديب البيدر القائد الميداني في ألوية العمري”.

القيادي المعارض “فارس البيدر” اعتقله اعتقله عناصر مخابرات النظام قبل نحو عام ونصف

أبو كرم أضاف، أن مسألة تجنيد عناصر أو مجموعات كانت محسوبة على الثورة لا تقتصر على النظام وحده موضحًا “الميليشيات الإيرانية استطاعت أيضًا التغلغل في الجنوب معتمدةً على ذات الأشخاص والأسماء وما تزال تعمل على تعزيز مواقعها إلى جانب محاولاتها لإحداث تغييرات ثقافية واجتماعية في بنية المنطقة عن طريق نشر المذهب الشيعي وهو ربما ما يمكن اعتباره نهج يبني خططًا للبقاء والاستيطان على المدى الطويل”.

ملامح ومؤشرات نجاح النظام في اختراق صفوف الثورة كثيرة وربما من العوامل المهمة التي ساعدته في ذلك وجود بنية من القيادات مريضة بشهوتها للثراء وحب الشهرة والظهور، استطاعت خلال سنوات الدم تأسيس أعمال تجارية خاصة بها مستفيدة من علاقتها الأمنية بالأول.

هذا التوصيف يؤيده الحوراني موضحًا “كثير من القيادات وجدوا في الثورة طريقًا للثراء ويعانون من هوس السلطة، النظام لعب على هذه الجزئيات مقابل تجنيدهم وشراء ولائهم القابل للبيع لأي جهة، ومنهم مصطفي الكسم/ أبو سالم الخالدي/ عماد أبو زريق/ أبو علي اللحام الذين جعلوا من أحلام السوريين بالحرية والكرامة مجرد استثمار شخصي لتأسيس خطوط تجارية من تهريب الدخان والمخدرات إلى تجارة السلاح وغيرها وراكموا ثروات طائلة على مدى السنوات الماضية”.

القيادي السابق “وسيم الزرقان” المنضم لفرع الأمن العسكري شمال درعا

تبدو محاولة ملامسة واقع الخذلان المحيط بالمشهد السوري وجدانيًا وسياسيًا عملية شاقة للغاية، ومعها يصعب إلى حد كبير تفنيد أسباب وعوامل انهيار الضمير الجمعي الذي شكلته ثورة شعبية امتلكت ما يكفي من الكبرياء لتحدي قوى كبرى وجدت في مطالب التغيير في سوريا تهديدًا حقيقيًا للمعادلات الإقليمية والدولية، لتبقى أخيرًا شخوص وعناوين الهزيمة -مؤقتًا على الأقل -تحتفي بأوهام انتصارها متناسيةً ما تؤكده معظم التجارب من أن عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى