التقارير

بعد أيام من عودتهم.. سكان إدلب يواجهون النزوح من جديد| تقرير

موسى الأحمد/ إدلب

أجبر التصعيد العسكري الأخير شمال غرب سوريا، آلاف المدنيين من قرى جبل الزاوية وسهل الغاب بريفي إدلب وحماة على النزوح مجدداً في ظل أوضاع في غاية الصعوبة بفعل الأزمة المعيشية التي تعصف بالبلاد وعجز المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة عن الاستجابة لمتطلبات موجة نزوح جديدة.

حسب المعلومات المتوفرة حتى اليوم، أسفر قصف النظام السوري وحليفته موسكو لمناطق خفض التصعيد شمال البلاد إلى مقتل مدنيين اثنين وإصابة ستة آخرين بينهم امرأة، في حين بلغ عدد النازحين عن منازلهم نحو 5 آلاف شخص، وفق مؤسسة الدفاع المدني التي أضافت أن عدد الهجمات التي استهدفت المنطقة ليل الإثنين فجر الثلاثاء تجاوز ١٧ غارة جوية مشتركة بين نظام الأسد وحليفته روسيا بعضها بالقنابل العنقودية، بالإضافة لقصف صاروخي ومدفعي.

قصف جوي روسي على ريف إدلب “الدفاع المدني السوري”

ألاف المدنيين دون مأوى ومخاوف من انهيار التهدئة

تعيش منطقة شمال غرب البلاد نوعاً من الهدوء النسبي منذ إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا في مطلع آذار/ مارس الماضي، بعد أشهر من حملة عسكرية سيطرت خلالها قوات النظام بدعم بري وجوي روسي على مناطق واسعة، فشمل الاتفاق ما تبقى من مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة المدعومة من أنقرة في إدلب بالإضافة لأرياف حلب وحماة واللاذقية والتي تضم أكثر من ثلاثة ملايين شخص بينهم نحو مليون نزحوا داخليا قبل إبرام تفاهمات التهدئة الأخيرة.

الناشط الإعلامي “محمد دعبول” أكد أن هناك خوف كبير لدى المدنيين من سقوط تفاهمات التهدئة، مضيفاً في حديثه لـمؤسسة نبأ: “النزوح المتكرر أنهك المدنيين والمنظمات الإنسانية، عملياً المدنيون ينزحون إلى اللا مكان فلا يوجد مأوى لهم، نحو مليون و700 ألف مدني هُجّروا من منازلهم بسبب الحملات العسكرية التي استهدفت المنطقة خلال العام الماضي ومطلع الحالي، لا يوجد خيم لاستيعاب هذه الأعداد الهائلة، ولا يوجد منظمة تستطيع تحمل مثل هذا العبء بالتالي كثير من العوائل تعيش تحت الأشجار حتى الأمم المتحدة عاجزة عن الاستجابة  لمتطلبات المأساة الإنسانية المستمرة في الشمال”.

عائلة سورية تنزح باتجاه الحدود السورية – التركية “الدفاع المدني السوري”

دعبول لفت إلى أن المناطق التي كان يتخذها المدنيون كملاذ آمن في جبل الزاوية وأريحا أصبحت خطوط تماس ومواجهة بين الطرفين، فشهدت موجات نزوح كبيرة ويقطن معظم النازحون حالياً في مدينة إدلب وريفيها الغربي والشمالي المحاذي للحدود التركية الأمر الذي يزيد من أعباء مواجهة الأزمة، ولذلك  هناك خوف كبير أن تتوسع عمليات التصعيد لأنه لم يبق للمدنيين سوى الحدود التركية.

المخاوف من عودة التصعيد تدعمها تحذيرات صدرت عبر بيان من الرئاسة التركية اعتبر أن اتفاق التهدئة قد يسقط في أي لحظة، مضيفاً أن “داعمي الأسد يحاولون الهيمنة على المنطقة بهدف ضمان استمرار الأخير في الحكم والقضاء على قوى المعارضة”، مشدداً على أن أنقرة لا تملك أي خيارات سوى تعزيز قوتها العسكرية.

في هذا السياق، قال “عبيدة دندوش” من منظمة منسقو الاستجابة في شمال سوريا لـمؤسسة نبأ: “المعطيات الميدانية تشير إلى أن النظام وحلفائه يحضّرون لحملة عسكرية على قرى وبلدات جبل الزاوية وسهل الغاب أي جنوب الطريق الدولي M4 بشكل كامل”.

لافتاً إلى أنه في حال تكررت موجات النزوح فسيكون الأمر صعب جداً خصوصاً أن المناطق الشمالية أساساً مكتظة بالنازحين، وحجَم الاستجابة لن يتجاوز نسبة 20 بالمئة لأن المنظمات العاملة في المنطقة منهكة وتعاني من قلة الدعم ما فاقم من حالة العجز وعدم القدرة على تلبية المتطلبات الإنسانية في الشمال السوري.

منظمات إنسانية عاجزة بعد سنوات من الحرب

تؤكد معظم وجهات النظر أن الاستجابة لتحديات المأساة الإنسانية المتواصلة في الشمال السوري الذي يضم مئات الآلاف ممن هجّرهم النظام وحلفائه من حمص وحلب ودمشق ودرعا، تحتاج إلى جهد دولي، وبالتالي تبقى المنظمات العاملة في المنطقة أعجز من مواجهة أزمة بهذا الحجم لاسيما بعد تسع سنوات من الحرب.

“دعبول” أشار إلى أنه في حال بدأ النظام حملة عسكرية على ما تبقى من الشمال السوري فلا خيار أمام المدنيين سوى “اختراق” الحدود والدخول لتركيا، موضحاً أن أعداد المدنيين التي تقطن في المخيمات ما بين مدينتي إدلب وسرمدا كبيرة جداً وإذا انفجر الصراع مجدداً سيتوجهون تلقائياً إلى الأراضي التركية.

أما عن دور المنظمات فقال دعبول: “المنظمات في المنطقة عاجزة حالياً عن تقديم أبسط الخدمات حتى خيمة تأوي عائلة قد يجبرها القصف على النزوح، في موجة النزوح السابقة استطاعت بعض العائلات شراء خيمة ولكن الآن ستكون المسألة أصعب بسبب الانهيار الحاد للعملة السورية وهو ما سيجعل مجرد تأمين خيمة أمر أشبه بالمستحيل لا سيما بعد أن خسرت معظم العوائل أراضيها الزراعية وهي مصدر دخلهم الوحيد”.

بدوره أشار “دندوش” إلى أنه لا توجد استعدادات حقيقية على الأرض للتصدي لتداعيات حملة عسكرية محتملة بسبب ضعف الإمكانيات والحرب المستمرة منذ تسع سنوات والتي استنزفت طاقات وقدرات المنظمات العاملة في الشمال، إضافة إلى الظروف الاستثنائية التي فرضها كورونا وأجبرت المنظمات لتركيز جهودها ومواردها لتجهيز مراكز الحجر الصحي وحملات التوعية على حساب المسائل الأخرى.

من غير الواضح ما ستؤول إليه الأوضاع في شمال غرب سوريا ليبقى الثابت الوحيد أن ملايين السوريين الذين أنهكتهم حرب النظام وحلفائه لأنهم طالبوا بالحرية والكرامة سيدفعون مجدداً ثمن توافقات تضمن مراعاة مصالح متضاربة لقوى إقليمية ودولية تركت للنظام وحليفته موسكو استخدام تفاهمات التهدئة كغطاء لإعادة ترتيب الصفوف والتقاط الأنفاس قبل معاودة استهداف المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد، وهو الواقع الذي يبدو بأنه لن يتغير في المدى المنظور على الأقل بانتظار أن يغادر المجتمع الدولي مقاعد المتفرجين ويتخذ خطوات ملموسة للحد من مأساتهم المتواصلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى