التقارير

حسابات وهمية تشعلُ نيراناً في الجنوب فمن يطفئها؟

نبأ\موسى الأحمد – إسماعيل مسالمة

أثار حساب وهمي قبل أيام يحمل اسم “مجعص الهقط”، ما يشبه بحرب أهلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بمنشور تحدث فيه عن اثنين ممن اُغتيلوا في أحد أحياء مدينة درعا في الأيام القليلة الماضية، ترافق ذلك مع موجة من التهديدات بالقتل بين أبناء من أكبر عائلتين في مدينة درعا، الأبازيد والمسالمة.

تعليقاً لمتزعم مجموعة مسلحة تعمل لصالح فرع الأمن العسكري يدعى مصطفى المسالمة الملقب ب(الكسم) تضمن تهديداً ووعيداً لأبناء الأبازيد القاطنين في حي الأربعين بدرعا البلد حيث وصفهم بمصدر الشر في المدينة ما دفع عائلة الأبازيد للرد على الاتهامات.

بدأ الخلاف عندما تعرض أحد أبناء عشيرة الأبازيد لانتحال شخصية من حساب يحمل الاسم ذاته، بدأ بشتم أشخاص من عشيرة المسالمة.

عبدو أبازيد أحد أبناء العشيرة التي يبلغ عددها 20 ألفاً  كان ممن طالتهم الاتهامات تحدث لنبأ: “أملك حساباً على موقع فيسبوك باسم “تقوى الهجر” وكل أصدقائي يعلمون هويتي الحقيقية “صدمت قبل عدة أيام عندما ذُكر اسمي بتعليق على أحد منشورات حساب وهمي “مجعص الهقط” ووجدت حساباً آخر يحمل الاسم ذاته، بدأ بالشتم والتهجم على عائلة المسالمة ليوقع فتنة بين العائلتين ما تسبب بمعركة عبر وسائل التواصل بيننا وبين عائلة المسالمة، “فدخلت بشكل تلقائي وكتبت تعليقاً على المنشور وضحت فيه الصورة، بأنّ هذا الحساب ليس حسابي وإنما ينتحل شخصيتي، لكن تأخري بالرد كان سبباً في خلق جو من الفوضى بالتعليقات بين العائلتين”.

استثمر منتحل الشخصية اسم عبدو أبازيد كونه من الأشخاص الذين يتحدثون عما يجري في جنوب سوريا، ويضيف أبازيد ” أنا انتقد ما يجري في محافظتي درعا على صفحتي الشخصية لكن ما أكتبه لم يكن في يوم من الأيام هدفه الفتنة أو التحريض.

يقول أبازيد بعد تجربته “تسعى الحسابات الوهمية إلى بث الفتنة كون درعا في الوقت الحالي تلفها الاغتيالات بسبب الفلتان الأمني الذي يتعمد افتعاله النظام”.
وأضاف “برأيي إن هذه الحسابات بالغالب لها أغراض و أجندات مخابراتية”.

منذ صيف 2018 لم تتوقف الحسابات الوهمية عن عملها بل زاد نشاط بعضها عقب سقوط الجنوب بيد النظام، واستهدفت في منشوراتها شخصيات كان لها دورٌ في تسليم المنطقة للنظام كان آخرهم مصطفى المسالمة الملقب ب(الكسم) وسلطت الضوء في بعض الأحيان على مخططات تحاك ضد المنطقة.

يصعب معرفة أصحاب هذه الحسابات بسبب الوضع الأمني ولكن بعضها يستثمرُ تعاطف الناس بالنشر عن شخصيات قضت خلال قتالها نظام الأسد لجذب المتابعين من أبناء المنطقة، وقد تكون عائدة للنظام أو لناشطين ولكن من خلال عرضها حوادث لشخصيات اُغتيلت مؤخراً من أبناء درعا سببت شرخاً بين المتابعين لأن جزءاً من أبناء المدينة تبدّل ولاءهم في أعقاب سيطرة النظام على الجنوب.

أبو جواد مسالمة يعلق قائلاً “هذه الحسابات تستغل فرصة وجود بعض من شباب عشيرتنا ضمن صفوف النظام ممن دخلوا مؤخراً بعد المصالحات، لتحريض العشائر على بعضها من خلال الفئة التي تجهل غاية هذه الحسابات وبالتالي تصل لمبتغاها في إيقاع المشاكل بين العائلات”.

وأضاف المسالمة “الكثير من هذه الحسابات تعمل لصالح أجهزة المخابرات لعدم قدرتها بث ما تريد من خلال الطرق التقليدية”.

شُكل في كانون الثاني2020   بمدينة درعا ما يسمى بمجلس “عشيرة درعا” ضمَّ وجهاءً من عائلات المدينة لحل الخلافات في حال وقوعها بين العشائر، ويضيف المسالمة “إنّ هذه الخطوة اُتخذت لتدارك الفتن قبل وقوعها بين العائلات”.

بنية محافظة درعا عشائرية وتعتمد نظام الفزعة في حال حدوث خلاف، فالعائلة تجمع مناصريها من شتى مدن وبلدات المحافظة لمؤازرتها وقد تمتد الخلافات لعشرات السنين بين العشائر في المحافظة ولعل أشهرها الخلاف الذي حدث بين عائلة الأبازيد والكور في ستينات القرن الماضي والذي أفضى لرحيل جزء كبير من عائلة الكور إلى الأردن واستقرارهم فيها، وما حصل قبل ستين عاماً كان ليحصل مرة أخرى لولا تدارك الأمر.

الحسابات الوهمية ليست جديدة في حوران

كان للحسابات الوهمية تأثيرٌ على الأرض قبل صيف 2018 ولم تَخلُ مضافة في حوران من الحديث فيما تنشره ولعلّ أبرزها حساب “عكاشي العكوش”.

طرح الحساب قضايا تخص مدينة درعا خاصة وحوران عامة وبدأ بالتأثير على شريحة واسعة من المدنيين والناشطين في المنطقة حتى وصل الأمر لكتابة عبارات تؤيد الحساب على جدران مدينة درعا وتعليق لافتات تسانده، ولكن هذا الحساب عمله كان مختلفاً تماماً حيث تعدى التواجد الوهمي وانتقل إلى الأرض حيث “كان يدعم كل من يتواصل معه بسلل غذائية وسيارات عسكرية لكتائب المعارضة ممن طلبوا الدعم منه بحسب ما أخبرنا سليمان الحوراني أحد ناشطي المدينة”.

وأضاف سليمان “حتى حساب “عكاشي العكوش” في البداية كان من أشد المناهضين لقيادات في المعارضة، مدنية وعسكرية في محافظة درعا، ولكن تغيرت سياسة المنشورات بعد عدة شهور من حيث النبرة التي كانت تخاطب بها الجمهور، لتتحول اللهجة في الأيام الأخيرة للتقرب من القيادات التي هاجمها في البداية ما يوحي بتدخل ما كان وراء هذا التغيير.

وعلى مدار الخمسة أعوام الماضية كان حساب وهمي يحمل اسم “محمد درعا” أحد الفاعلين الرئيسين من خلال إرسال تهديدات لناشطي المنطقة.
علمت نبأ أن من يدير هذا الحساب هو شخص كان يقيم بمناطق النظام وتنقل بين الفينة والأخرى إلى منطقة حوض اليرموك إبان سيطرة تنظيم داعش عليها آنذاك، وكانت تربطه علاقة قوية مع التنظيم وصلت للتنسيق معهم من خلال تهديد ناشطين كان توجههم ضد التنظيم.
وعمل كصحفي في عدة وسائل إعلامية سورية تحت اسم وهمي وكان من خلال القضايا التي يطرحها يسعى لتشويه صورة الجنوب من خلال التخوين والتشكيك بأي عمل في جنوب سوريا.

يصعب معرفة من يدير هذه الحسابات وبحسب متخصصين في الأمن الرقمي، من الممكن الكشف عن بعض بيانات مستخدمي الحسابات الوهمية كالموقع وعنوان “الآي بي” للمستخدم ولكن هوية الحساب تبقى مجهولة تماماً طالما لم يصرح صاحب الحساب عن نفسه بقصد أو عن طريق الخطأ.

يقول محمد الخطيب مهندس برمجيات متخصص بمجال الأمن الرقمي، “هناك طريقة أخرى لكشف هويته من خلال متابعة الحساب لفتره وبطريقه ما تكتشف أن سلوك هذا الشخص مقارب لشخص تعرفه على أرض الواقع هذا في حال كان صاحب الحساب الوهمي ضمن نطاق الحي أو المدينة”.

لمعالجة هذه الظاهرة ينصح الخبراء بالإبلاغ عن هذه الحسابات لخرقها قواعد السلوك المنصوصة في منصات التواصل الاجتماعي مثل نشر الكراهية، العنصرية، ويضيف الخطيب “لا يوجد طرق رسميه أخرى لإغلاق هذه الحسابات في حين هناك طرق أخرى لإغلاقها ولكنها غير شرعيه كالتهكير”.

وأفضل الاستراتيجيات التي تعتمد عليها هذه الحسابات في الوصول لعدد كبير من المتابعين يقول الخطيب “هو مناقشة أو طرح المشاكل اليومية التي يعاني منها المجتمع مع امتلاك كاريزما معينه لمقدم المحتوى”.

منصات التواصل الاجتماعي لا تغلق الحسابات الوهمية أو المنتحلة لشخصية إلا حين يتم الإبلاغ عنها فيقومون بإغلاقه مباشرة ضمن شروط معينه كتقديم جواز سفرك أو رخصة القيادة”.

وأضاف الخطيب إن “السياسة المتبعة في كل منصات التواصل الاجتماعي تطالب بإدخال الاسم الأول والكنية عند إنشاء أي حساب جديد وهذا شيء إجباري ولن تستطيع إكمال عملية إنشاء الحساب إذا لم تقم بإدخال الاسم والكنية ولكن منصات التواصل الاجتماعي ليس لديها طريقة لمعرفة ما إذا كانت البيانات المدخلة صحيحة أم لا والطريقة الوحيدة لمعالجة ذلك هو الابلاغ عن هذه الحسابات أو مراجعة قائمة الأصدقاء لديك وحذف الحسابات الوهمية.

النقطة الثانية هي أن منصات التواصل الاجتماعي يهمها عدد المستخدمين لأغراض إعلانية وغيرها من أساليب الربح فلا تركز على الحسابات الوهمية ولكن تتيح لك خيار التبليغ في حال مشاهدة حساب يقوم بالترويج لأفكار عنصرية أو إثارة فتنه في المجتمع.

أسباب استخدام حساب وهمي تعود لطرح قضايا شائكه خشية اعتقال أو خطف، ومنها لأغراض استخباراتية أو أغراض خبيثة كنشر الفتن لثأر، ويضيف الخطيب “أنا لا أرى أي ضرر من استخدام حسابات وهمية في طرح مشاكل مجتمعية شائكة إذا لم تخلق فتنه أو لم تكن لغايات خبيثة”.

وأوصى الخطيب بأن “الطريقة الأفضل لقطع الطريق على هذه الحسابات توعية المجتمع عن طريق مقاطع توضيحية تعرض ما هو الخطر الناتج عن هذه الحسابات مع اتباع آليه معينه في إضافة الأصدقاء مثل قبول طلبات الصداقة للأشخاص الذين أعرفهم فقط ورفض كل طلب تشك بأمره والإبلاغ عن هذه الحسابات في حال نشرت فتنة أو أي شيء يخالف المعايير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى