مجتمع

كيف دفعت الأزمة المعيشية إلى طرح “الأسئلة المحرّمة” عن العدالة الربانية؟


“وين عدالة رب العالمين، شايف حالنا؟”، “الله مع الظالم أو المظلوم؟”، “والله لو في عدل ما صار فينا هيك”، بضع عبارات باللّهجة المحلية ينقلها الشاب باسم عبد الكريم عن جاره في حي المخيم بمدينة درعا عندما يجلس معه أمام دكانه ويختم بها حديثه عن ظروفه وأحواله المعيشية مع عائلته المكوّنة من خمسة أفراد.

يقول باسم عبد الكريم (اسم مستعار): “جاري لديه دكانة صغيرة يبيع فيها ما لا يزيد عن 30 نوعاً من المواد الغذائية والتنظيف بكميات قليلة جداً، وهي مصدر الدخل الوحيد لعائلته مع المساعدات البسيطة التي تصل إليه من وقت لآخر”.

يضيف عبد الكريم وهو فلسطيني: “أحاول قدر الإمكان أن أشرح لجاري حرمة بعض العبارات التي يتلفّظ بها عندما يسأل عن عدالة ورحمة رب العالمين، لكنه لم يقتنع وفي كل مرة نتحدث فيها عن أحواله وكيف يؤمّن متطلّبات عائلته، يكرر ذات الأسئلة طابعاً على وجهه إشارة الاستفهام بفتح عينيه على مصراعيها ورفع حواجبه”.

سنوات الحرب الطويلة وقساوة الأزمة الاقتصادية وانعكاسها على الطبقة الأكثر فقراً (العاطلين عن العمل وذوي الدخل المحدود) دفعت البعض إلى التفكير في منحى آخر وطرح أسئلة واستفسارات تدفع بعضها إلى التشكيك بتحقّق (العدالة الربانية) في قضيتهم.

ويرى البعض أن طرح مثل هذه الأسئلة مشكلة لكن المشكلة الأكبر والأخطر منها هو اقتناع أشخاص وخاصة من فئة الشباب بأن ما أصابهم هو نتيجة عدم وجود عدل ربّاني، وانتشار مثل هذه الأفكار قد يكون سهلاً عند فئة من الناس.

الخوض في الأمور التي تتعلق بالقدر قد يوقع الشخص في خطأ كبير، كما يرى الشيخ محمد اليونس، مضيفاً: “موضوع القدر من أعقد المواضيع والخوض فيه سيف ذو حدين إما أن يزداد إيمان الشخص أو أن يتجرّأ على الله بالاعتراض على حكمه وحكمته”. واستذكر حديثاً للنبي محمد صلى الله على وسلم: “قال النبي: إذا ذُكر القدر فأمسكوا، – أي فأمسكوا عن الكلام والخوض فيه”.

وأوضح اليونس المقيم في شمال سوريا: “شواهد كثيرة على مرّ التاريخ وحتى في زمن الرسول تدل على أن المؤمنين تعرضوا لأوقات عصيبة وبلاء من رب العالمين وفي بعض المرات خسروا أمام الكفار، وهذا لا يعني أن الله يقف مع الكافر ضد المؤمن”. وأشار إلى أن النظر لمثل هذه الأمور يجب أن يكون من زاوية الحكمة الإلهية مع فهم واقع الأمم ومقارنتها بشريعة الرب لا أن يكون بالعاطفة وبرؤية قصيرة المدى، على حدّ قوله.

من جهته، يرى عمران الحريري أحد منظّمي برامج توزيع المساعدات على اللاجئين في الأردن، أن سنوات الحرب ومرارة الحياة أفقدت الكثير من الأشخاص القدرة على التحكّم بما ينطق أو يفعل، فنلاحظ أن بعض الأشخاص أحياناً وعند تعرّضهم لصدمة ما فإنهم يفعلون ما هو مستّهجن عند معظم الناس مثل إطلاق الشتائم أو توجيه الأسئلة لرب العالمين عن سبب مصيبته ولماذا اختاره هو وأشياء أخرى مستغربة.

الحريري أسند الأمر إلى درجة استطاعة كل شخص تحمّل ما يحدث له من مصيبة أو ضغط الحياة المعيشية. وأشار إلى أن المجتمع المحلي له دور كبير في الحفاظ على استقرار الأشخاص الذين تضاعفت عليهم الهموم والضغوط، مع أهمية نشر الوعي من قبل رجال الدين لتلافي وقوع الأشخاص بما يحرّمه الدين.

وهنا تبرز ما تسببت به الأزمة المعيشية من محاولات انتحار أو رمي الأطفال أو حتى عرضهم للبيع مقابل تأمين الطعام والمسكن كما حصل في أحد مخيمات النازحين في شمال سوريا، كما دفع ذلك عشرات اللاجئين السوريين إلى الخضوع لعملية بيع الكلى، بحسب تقارير إعلامية أجنبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى