“قبل دقائق كنا نتجادل معه على مجموعة خاصة في تطبيق واتس آب حول مجريات الأحداث عندما كنّا في أحد الأبنية المرتفعة لتصوير الغارات الجوية، انتهى الحديث على المجموعة وأعقبه غارة من طائرة روسية على منزل في درعا البلد، كان ضحيتها جورج سمارة” هذه آخر الدقائق في حياة الإعلامي محمد أبازيد الذي يصادف اليوم ذكرى مرور أربع سنوات على مقتله.
في آذار (مارس) عام 2017 كانت الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة في مدينة درعا تتعرض لقصف مكثّف من قبل الطيران الحربي الروسي والسوري وكانت سماء المدينة مزدحمة بالطائرات الحربية والمسيّرة وعلى الأرض شوارع خالية بعد أن هرب سكانها خوفاً على حياتهم.
يستذكر الإعلامي أحمد مصطفى (اسم مستعار) وهو صديق “جورج سمارة”: “كنتُ على سطح بناء مرتفع في حي طريق السد لتصوير الغارات الجوية ومن زاويتي على الجانب الأيمن أتابع أرض المعركة بين فصائل المعارضة والنظام في حين المنشية وعلى الجانب الأيسر الأحياء الأخرى تحت الغارات والقصف المدفعي وحيث كان يجري التجهيز لإطلاق صاروخ عمر على مواقع النظام”.
“لم أكن أعلم أن جدالي مع جورج على مجموعة واتس أب، سوف يكون آخر ما يقوم به في حياته، تحدثنا حول ما إذا كان صاروخ عمر قد أُطلق أم لا، أصرّ على رأيه بنفي ذلك، قاطعت حديثنا غارة من طائرة روسية فصوّرتها كسابقاتها واستأنفت حديثي على المجموعة لكن جورج لم يكمل، جملته الأخيرة كانت قبل الغارة بلحظات”.
يتابع أحمد “دقائق معدودة حتى نقل أحد الإعلاميين الأعضاء في المجموعة خبراً نقله من مجموعة أخرى عن مقتل جورج سمارة، وكنت أوّل مكذّبي الخبر مبرّراً ذلك بحديثه معنا في ذات المجموعة قبل دقائق”.
ومع استمرار الحديث المتباين بالتأكيد والنفي على المجموعة حتى وصلت صورة لجورج من مكان مقتله. “لقد قتلوا عيناً من أعين المدينة”.
“صوّرت الغارة التي قتلت الإعلامي محمد أبازيد ولم أكن أدري يومها أني أضغط على زر التسجيل لأوثق لحظة رحيله”
قضى أبازيد بغارة روسية قرب مسجد المنصور في حي البحار بدرعا البلد وفي مساء ذات اليوم 12 آذار، دفن في مقبرة الشهداء بالمدينة.
ارتكبت القوات الروسية في سوريا ما لا يقل عن 354 مجزرة، بينها مجزرتين في محافظة درعا، وما لا يقل عن 1217 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية بينها 222 على مدارس، و207 على منشآت طبية بينها أربع مراكز في محافظة درعا، ذلك منذ تدخلها العسكري في سوريا حتى 30/ أيلول/ 2020، حسب توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
يسرد أحمد مصطفى، موقفاً طريفاً لجورج سمارة “خلال تواجد في منزل أحد الأصدقاء ومن المعروف قبل بداية أي معركة يدور جدل واسع حول تاريخ انطلاق المعركة، فسأل أحدهم متى ستبدأ معركة الموت ولا المذلة في حي المنشية فأجاب أبو قاسم مازحاً: صاحبتي يلي بالسودان بتعرف أميت بدها تبلش المعركة والحاضرين ما بعرفوا” مشيراً إلى عدم وجود سرية لدى فصائل المعارضة حول عملياتها العسكرية.
قبل مقتله بنحو نصف ساعة كان جورج (أبو قاسم) خرج ببثٍ مباشر على صفحته الشخصية في موقع “فيس بوك” تحدث فيه عن مجريات الأحداث ولم يخلوا من المزاح والاستهزاء بقوات النظام بالرغم من الغارات الجوية والبراميل المتفجرة التي كانت تسقط قرب مكان تواجده.
وبحسب توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قضى 22 إعلامي بنيران روسيا منذ تدخلها في سوريا حتى نهاية شهر أيلول (سبتمبر) عام2020.
وجاء مقتل الإعلامي جورج بعد مرور شهر على بداية هجوم المعارضة للسيطرة على حي المنشية تحت مسمّى “معركة الموت ولا المذلة”.
وأعقب الهجوم توقيع اتفاق خفض التصعيد في جنوب سوريا بين واشنطن وموسكو ليدخل حيز التنفيذ في تموز (يوليو) عام 2017، واستمر حتى هجوم النظام مدعوماً بالطائرات الروسية على محافظة درعا عام 2018 وبعد معارك استمرت نحو شهر سيطر على الأخير على المحافظة إلى جانب محافظة القنيطرة.