الموافقات الأمنية العالقة تزيد مخاوف أهالي درعا من خسارة ممتلكاتهم
“وكأنها ليست الأرض التي قضى أبي وأجدادي عقوداً من الزمن في رعايتها وحمايتها واستثمارها”، بهذه الكلمات استهلّ أحد أهالي مدينة درعا حديثه عن تجميد أملاكه لعدم حصوله على موافقة أمنية من النظام تتيح له نقلها على اسمه.
خالد الحسن (اسم مستعار) يبلغ من العمر 45 عاماً، حالت الموافقة الأمنية دون تحسين وضعه المعيشي وإصلاح منزله الذي طاله قصف النظام بقذائف الهاون وصاروخ فيل قبل نحو أربع سنوات، وأدى إلى جزء كبير من المنزل فلم يتمكن بيع حصته من ممتلكاته التي ورثها عن والده.
يقول الحسن “تقدمت بطلبين للحصول على الموافقة الأمنية للشروع بمعاملة حصر الإرث في العام الماضي والحالي لكنهما قوبلا بالرفض”، وأوضح: “السبب الرئيسي هو وجود اسمي مع اثنين من أشقائي على قائمة المطلوبين بسبب مشاركتنا في المظاهرات المطالبة بحقوقنا وهذا ما حال بيننا وبين الحصول على الموافقة للتصرف بما ورثناه عن والدنا”.
الموافقة الأمنية وكيفية الحصول عليها
تتلخص عملية الحصول على الموافقة الأمنية بتقديم مجموعة من الأوراق إلى إدارة المالية بدرعا منها (إخراج قيد عقاري – بيان عائلي – حصر الإرث – الأرقام الوطنية للبطاقات الشخصية) وبدورها المالية ترسلها إلى فرع الأمن السياسي والأمن الجنائي للتدقيق ويستغرق الرد من شهر حتى ثلاثة أشهر.
يتابع الحسن: “في حال الحصول على الموافقة تكون محصورة بالأملاك ضمن المخططات التنظيمية للمحافظة أما الأملاك الخارجة عن تلك المخططات تحتاج لمعاملة مختلفة وتتطلب إجراءات داخل العاصمة دمشق”.
الموافقات الأمنية المُسبقة في سوريا فُرضت مع بداية حكم حزب البعث في ستينيات القرن الماضي، وهي إحدى أهم أدوات التحكم والسيطرة للنظام على نشاط السوريين العام من ناحية التراخيص المهنية البسيطة وطلبات التوظيف، كما يُشترط في السفر خارج البلاد الحصول على موافقة أمنية والأمر ذاته أيضاً عند الزواج من أجنبية، ووصل الأمر في بعض المناطق وخاصة في المناطق الحساسة بمراكز المدن إلى اشتراط الحصول على موافقة أمنية لفتح الأكشاك والبسطات.
ويُشير الناشط المدني عبادة محمد، لـنبأ، إلى أن الموافقات الأمنية كانت أحد الأسباب التي أدت لاندلاع الثورة وخروج مظاهرات درعا في آذار/ مارس عام 2011، وشكّل إزالة شرط الحصول على الموافقات الأمنية أحد المطالب الرئيسية للّجنة التي التقت بمسؤولين من النظام آنذاك لتهدئة المحافظة إلا أن شيءً لم يتغير منذ ذلك الحين.
عبادة والذي لجأ إلى أوروبا مؤخراً، تحدث عن معاناته بسبب عدم حصوله على الموافقة الأمنية، “أنا اشتريت أرض زراعية في محيط مدينة درعا قبل نحو ثلاث سنوات حين كانت المنطقة تحت سيطرة المعارضة ولم أتمكن من تسجيلها باسمي لأنني مطلوب للنظام ومعاملة “إفراغ الأرض” تحتاج لحضوري شخصياً في دوائر النظام”.
وأوضح عبادة أن مالك الأرض استطاع وضع إشارة على الأرض باسم أحد الأشخاص الذين أثق بهم (أن الأرض لا تُباع ولا تُنقل ملكيتها إلا بموافقة الشخص المُشار له).
بعد مضي عامين على سيطرة النظام على محافظة درعا، أخبر عبادة الشخص الذي وضعت الإشارة باسمه أنه يريد إفراغ الأرض باسم خالته. وتابع: “قبل أشهر عدة ذهب الشخص مع خالتي من أجل البدء بمعاملة إفراغ الأرض والبداية كانت من السجل العقاري بمدينة درعا الذي أخبرهم بوجوب إحضار موافقة أمنية لإتمام العملية”.
ويُضيف: “ذهبوا إلى مديرة المالية بدرعا للتقديم على الموافقة الأمنية وعند دخولهم كان يتواجد عنصر يتبع لفرع الأمن السياسي بدأ بالاستفسار عن العائلة وعمل الأولاد ومن خوفها أخبرت العنصر أن أحد أولادها قتل خلال الأحداث وبدأ يستفسر أكثر عن طريقة موته وحين بدأ بالضغط أكثر ليعرف كيف كانت طريقة موته أخبرته كان من مقاتلي الجيش الحر فقطع الحديث معها وأخبرها بالعودة مرة أخرى بعد عدة أيام لتستلمي النتيجة وعادت بعد أسبوعين فأخبرها بالرفض وعدم الموافقة على اسمها”.
ومع مرور سنوات على اندلاع الثورة ما يزال النظام حتى اليوم مستمر في ممارساته الأمنية في شؤون الأهالي دون إلغائها أو حتى تخفيفها بالرغم من أنها كانت إحدى البنود الأساسية لمطالب المتظاهرين عام 2011.
وأصدرت حكومة النظام القرار رقم (4554) في 4 آب عام 2015 الذي يقضي بإضافة البيوع العقارية وعمليات إيجار وفراغ المنازل والمحلات إلى القضايا التي تستوجب الحصول على موافقة أمنية مسبقة من الجهات المختصة.
وبرّرت الحكومة القرار لمنع “الإرهابين” من شراء العقارات أو استئجارها واتخاذها كمقرات لهم، ولحماية الملكيات العقارية من الضياع أو التزوير.
وتخضع عملية الحصول على الموافقة لاعتبارات أمنية بحتة ولآلية غير واضحة والكثير من المعاملات يتم رفضها لأسباب مزاجية مرتبطة بالعنصر المكلّف بإجراء الدراسة الأمنية بحسب ما يقول المحامي عدنان المسالمة.
ويضيف المسالمة: “تُحل مثل هذه الأمور عن طريق دفع الرشاوى للعنصر المسؤول عن الدراسة أو عن طريق الواسطة مع مسؤول الفرع الذي رفض المعاملة”.
وفصّل المحامي وهو أحد أعضاء لجنة التفاوض في مدينة درعا: “معاملة نقل التركة لا تحتاج إلى موافقة أمنية أي في حال وجود شخص وإرث فليس بحاجة إلى موافقة لتسجيل الحصة التي آلت إليه إرثا، وإنما معاملات البيوع والهبة والتنازل عن العقار هي التي بحاجة لموافقات أمنية، وبشكل يومي وعلى مدار الساعة تقديم الطلبات ويتم الرد عليها”.
ونوّه إلى وجود طريقة لتجاوز عقبة الحصول على موافقات أمنية تتلخص بكتابة عقد بين البائع والمشتري وتسجيله في المحكمة أصولاً للحصول على قرار قضائي يحفظ حقوق المشتري إلى أن يتمكن من التسجيل بشكل نهائي.
الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأهالي في الجنوب السوري تُجبرهم على بيع جزء من أملاكهم للمضي قدماً في حياتهم إلا أن شرط الموافقات الأمنية يحول دون ذلك.
وأصدرت وزارة العدل في حكومة النظام التعميم رقم (14)، في 21 من شباط 2018، الذي يؤكد على ضرورة الحصول على الموافقة الأمنية قبل إتمام عمليات البيع بالمزاد العلني، (وقد استثنى التعميم البيوع الجارية لمصلحة الجهات العامة).
نبأ/ موسى الأحمد، اسماعيل المسالمة