المجاور جغرافياً والشريك مصيرياً.. ما هو دور الأردن في جنوب سوريا؟
مثّل شهر آب/ أغسطس من العام 2018 نهاية مرحلة وبداية أخرى في منطقة جنوب سوريا ونقطة فاصلة يرتكز عليها مستقبل المنطقة على الصعيدين الاجتماعي والعسكري، كما كان هذا التاريخ بداية فصلاً جديداً من أدوار الدول الإقليمية فيها وخاصة الأردن المجاور جغرافياً والشريك مصيرياً.
ولعلّ تحذير وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، قبل أيام من احتمالية عودة ما أسماها “العصابات الإرهابية” إلى جنوب سوريا، كان نتيجة تفاقم المخاوف لدى حكومته من خطورة المرحلة في درعا والقنيطرة وخشية أن تصل إلى حدِّ يصعب العودة عنه.
الأردن والذي لطالما اقترنت تصريحات مسؤوليه بالتحذير والقلق حيال الأوضاع الأمنية في جنوب سوريا، ما زال يولي اهتمامه الكبير بحدوده الشمالية على الرغم من مرور أكثر من عامين على سيطرة النظام وروسيا على طول الشريط الحدودي وهو ما كانت تطمح له القيادة الأردنية طلباً للاستقرار الأمني وحماية حدودها، فما الذي يُثير مخاوف الأردن وكيف تتعامل معه؟
الدور الأردني في جنوب سوريا بعد آب 2018
لاقى خضوع محافظتي درعا والقنيطرة لسيطرة النظام وروسيا ترحيباً أردنياً رسمياً فما كان غير متاح للمعارضة إبان سيطرتها أصبح متاحاً للنظام بالرغم من عدم استقرار الأوضاع الأمنية في عموم المنطقة فضلاً عن التناغم الدبلوماسي بين الطرفين ممثلاً برفع الأردن تمثيلها الدبلوماسي لدى النظام والتصريحات الرسمية المتبادلة وإعادة فتح الحدود.
تحسّن العلاقات لم يمنع الأردن من البقاء في موقع المراقب الحذر إذ أن الحدود الشمالية ما تزال في وضع غير مستقر لاقتراب ما تخشاه القيادة الأردنية والذي كانت قد ضمنت ابتعاده في محادثاتها مع روسيا وهو خطر الميليشيات الإيرانية، الأمر الذي تطلّب من الأردن إبقاء المنطقة تحت المراقبة المشدّدة من خلال مصادر متعددة.
يقول الإعلامي عمر الحاج علي (اسم مستعار) المقيم في الأردن، إن ضباط وعناصر المخابرات الأردنية لم يقطعوا علاقتهم بالقياديين السابقين في فصائل الجيش الحر والناشطين المتعاونين والأفراد المعتمدين لجمع المعلومات واتجه التنسيق فيما بينهم لمراقبة المنطقة أمنياً والبحث في نشاط الميليشيات المرتبطة بإيران ومناطق انتشارها ومواقعها المستحدثة إضافة إلى المجموعات التي يتم تجنيدها من أبناء المنطقة لصالحها ويتم إرسال المعلومات بأدق التفاصيل بما فيها أسماء المنتمين وأعدادهم.
وباعتبار أن الأردن كان اللاعب الأبرز على مدار سنوات في جنوب سوريا، فهو يملك شبكة كبيرة من مصادر المعلومات بحسب ما يوضّح الحاج علي، إذا ساهم ذلك في نسخ صورة الواقع ومتغيّراته في المنطقة لصالحه ويمكن حصر الملفات ذات الأولوية في جمع المعلومات بالانتشار الإيراني والجماعات الجهادية وعمليات التهريب عبر الحدود، ولمعرفة أدق التفاصيل يتطلّب ذلك أحياناً تجنيد أفراد لصالح المخابرات الأردنية بطريقة غير مباشرة لاختراق بعض المجموعات والجماعات، على حدِّ قوله.
مصدر مطّلع لـنبأ أشار لوجود أفراداً يعملون كمصادر لطرفين هما المخابرات الأردنية والنظام السوري ممثلاً بفرع الأمن العسكري بدرعا ومن أبرزهم، عماد أبو زريق، متزعّم مجموعة مسلحة بريف درعا الشرقي (قيادي معارض سابق) والذي عاد من الأردن بتنسيق مع الفرع ودفع من المخابرات الأردنية التي استقبلته لاجئاً عند سيطرة النظام عام 2018.
الأشهر القليلة التي مرّت بعد سيطرة النظام وروسيا على جنوب سوريا والتي لم يعكّر صفوها الميليشيات الإيرانية، لم تكن سوى مرحلة مؤقتة لوضع استراتيجية جديدة للأخيرة لإعادة تموضعها وانتشارها وتحديد نشاطاتها في الواقع الجديد جنوب سوريا، الأمر الذي سرعان ما بدأ يلتمسه الأردن من خلال مصادره فلم يكن لديه سوى روسيا لتذكيرها ببنود الاتفاق وبتعهداتها بإبعاد الميليشيات عن الحدود مع الأردن والجولان المحتل.
وبموازاة ذلك بدأ الأردن بخطة (إعادة التموضع) في المنطقة الحدودية داخل الأراضي السورية من خلال قادة الفصائل السابقين لتشكيل درعاً متقدماً من مجموعات مسلحة لا تتبع بشكل مباشر للنظام لحماية المنطقة عموماً والشريط الحدودي خاصةً من ميليشيات إيران وحزب الله، ولتفعيل ذلك فُتح باب التواصل مع معظم القياديين والفاعلين من أبناء المنطقة المقيمين في درعا والأردن والبعض ممن وصل إلى تركيا.
الإعلامي الحاج علي ذكر في هذا السياق لـنبأ، أن الأردن حاول استنساخ فصيل (جيش العشائر) بدرعا وهو ما رفضه عدد كبير من القياديين لضبابية مهامه وتبعيته كما لم تلاقي المحاولة ترحيب روسيا التي ترفض أي مشاريع قد تُعيد المنطقة إلى ما قبل 2018 وهي التي تسعى حتى اليوم إلى ضم جميع المجموعات المسلحة تحت التشكيلات التي تدعمها أو لجيش النظام.
وهنا يرى الناشط السياسي، محمد الزعبي لـنبأ، أن الأردن خسر أهم ورقة كانت بيده وهي جنوب سوريا فبعد أن كان الأردن “المتحكّم بها والمحتكر لها” أصبح بعد سيطرة النظام لاعباً ثانوياً في حين تصدّرت روسيا وإيران وبطبيعة الحال إسرائيل الأدوار الرئيسية في المنطقة.
النازحون على الحدود أو الميليشيات!
قالتها المملكة في حزيران/ يونيو عام 2018 بأنها لن تسمح بإدخال لاجئاً سورياً واحداً إلى أراضيها لعدم قدرتها على تحمّل موجة جديدة من اللجوء السوري إبان الحملة العسكرية للنظام وروسيا على درعا والقنيطرة، وقال حينها محلّلون أردنيون بأنه إذا انتهت العمليات العسكرية سريعاً فلن يحدث موجة نزوح باتجاه الأردن وهنا يتوضّح سبب إصرار روسيا حينها على السيطرة بالدرجة الأولى على الشريط الحدودي مع الأردن والجولان المحتل قبل عمق المنطقة.
الهجوم الذي قلق منه الأردن لاحتمالية تسبّبه بموجة لجوء جديدة نحوه، هو ذاته الذي أوصل اليوم الميليشيات الإيرانية على بعد كيلو مترات معدودة من الحدود. وكان الملك عبد الله الثاني تعهّد بالدفاع عن حدود مملكته ضد “الميليشيات الأجنبية” في تصريح له قبل توقيع اتفاق عمّان.
ويرى مراقبون أن نشاطات إيران وحزب الله العسكرية في جنوب سوريا آخذةٌ بالتوسّع ما يُنذر بمرحلة صعبة غير مستقرة ولأن الأردن يمتلك حدوداً يزيد طولها عن 370 كيلو متر مع سوريا فمن المؤكد أن ينعكس ذلك على الجوار وإن كان البعض يقلّل من أهمية ذلك واعتباره شأناً سوريا لا علاقة للأردن فيه، إلا أن من يراقب خارطة التموضع الأخيرة للميليشيات وقوات النظام المقرّبة من إيران (الفرقة الرابعة) يرى نقيض ذلك.
ولأن أهمية الجنوب تكمن بحدوده بدأت الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام، بخطة انتشار على الحدود مع الأردن فنجحت خلال العام الأخير بالسيطرة على ريف درعا الغربي الحدودية إضافة لمعبر نصيب الذي تولي له القيادة الأردنية اهتماماً كبيراً لحساسية وخطورة الوضع الأمني فيه.
يُشير مصدر مطّلع من داخل المعبر لـنبأ، إلى أن الفرقة الرابعة والمعروفة بعلاقتها وتنسيقها المباشر مع إيران وحزب الله تهدف إلى السيطرة المُطلقة وإثبات وجودها واتخاذ القرار في المنطقة دون الرجوع لأحد. ويتضح هدف الفرقة عندما اجتمع أحد ضباطها المسؤولين في المعبر مع ضابط روسي ورئيس فرع الأمن العسكري بدرعا وآخرين في آذار/ مارس من العام الجاري ورفض حينها ضابط الفرقة الانسحاب من المعبر مؤكداً أن القرار في ذلك يعود إلى ماهر الأسد فقط.
وأوضح المصدر أن الفرقة تضع يدها بشكل كامل على جميع مفاصل المعبر بداية من مدخله الرئيسي وحتى بوابته الحدودية مع الأردن.
قيادي معارض سابق فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية قال إن انتشار الفرقة الرابعة على الحدود بما فيها معبر نصيب لا شك أن محل اهتمام للجميع بمن فيهم روسيا لأن ذلك ليس من ضمن ما تم الاتفاق عليه في اتفاق عمّان.
وتابع القيادي المقيم في الأردن: “يتركّز الموقف الأردني على السعي من أجل استقرار الجنوب ويكون ذلك من خلال إبعاد الميليشيات الإيرانية والذراع الرئيسي حزب الله وكذلك إيقاف تجارة المخدرات وعلى الجانب الآخر يسعى الأردن لمنع عودة التنظيمات الإرهابية وخاصة تنظيم الدولة لكن لا تكون المنطقة رمال متحركة من جديد”.
ويعتقد أن الموقف الأردني الخفي وغير المباشر من انتشار الفرقة الرابعة في معبر نصيب، هو عدم إعادة فتح المعبر بشكل كامل واقتصاره على عمليات الشحن التجاري فقط.
وعملت مخابرات الأردن قبل انتشار الفرقة الرابعة إلى تأمين معبر نصيب ومحيطه من خلال التنسيق مع رئيس فرع الأمن العسكري بدرعا العميد لؤي العلي في اجتماعات متتالية بمعبر جابر الأردني عام 2018، ودفع عماد أبو زريق، إلى تشكيل مجموعة مسلحة يكون نطاق عملها بلدته نصيب والمنطقة الحدودية.
مع من يُشارك الأردن مخاوفه؟
يقول الناشط السياسي محمد الزعبي، إن الدور الأردني بدأ يتقلّص مع تراجع الدور السعودي والإماراتي في سوريا عموماً والجنوب خاصة وبعد العام 2018 أدرك الأردن أن السيادة على الأرض السورية للروسي والإيراني فقط.
ويضيف: “العلاقة الأردنية – الروسية في الجنوب هي علاقة تكتيكية وما يهم الأردن من جنوب سوريا هو أمرين اثنين الأول أن لا تنتقل الأحداث إلى الداخل الأردني والثاني هو دور أساسي للمشاركة في إعادة الإعمار والطرف الوحيد الذي يمكن أن يضمن ذلك هو روسيا”.
ملف إعادة الإعمار الذي تحدث عنه الزعبي، هو أحد أهم الملفات التي تهم الدول الإقليمية والفاعلة في سوريا ومن بينها الأردن الذي يتشارك مع روسيا به وبملفات أخرى أبرزها التهديد الإيران وعودة اللاجئين السوريين. حيث أشاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بمبادرة أردنية لتنفيذ مشاريع خاصة بإعادة الإعمار في جنوب سوريا، مثمّناً التعاون بين الدولتين بما يتعلق بإعادة اللاجئين من الأردن، خلال لقاء جمعه مع وزير الخارجية الأردني في شباط/ فبراير من العام الجاري.
وبيّن الإعلامي عمر الحاج علي، أن الأردن يعتبر روسيا ضامناً لاتفاق عمّان ولأنها صاحبة الدور الأبرز في سوريا يتم التنسيق معها بكافلة الملفات الأمنية والسياسية بما يتعلق بسوريا ويشمل ذلك الاضطرابات الحاصلة في الجنوب وحماية الحدود وضمان عدم انتشار الميليشيات بالقرب منها.
وبحسب مصادر فإن الأردن نقل إلى روسيا مرات عدة مخاوفه من التحركات العسكرية للنظام والميليشيات المرتبطة بإيران في بعض المناطق التي تفصلها عند الحدود الأردنية بضع كيلو مترات وكان أبرزها قضية تمركز الفرقة الرابعة في معبر نصيب واقتراب مجموعات مسلحة تتبع بشكل مباشر لميليشيا حزب الله اللبناني من المنطقة الحدودية من جهة قرية خراب الشحم غرب درعا، إضافة إلى انتشار قوات مقاتلة من الفرقتين الرابعة والعاشرة من جيش النظام في مخافر ونقاط حدودية وهو ما يخالف بروتوكول حرس الحدود.
ويرى مراقبون أن ما يحصل على أرض الواقع يخالف ما كانت تطمح له القيادة الأردنية عندما أبرمت مع روسيا إلى جانب إسرائيل اتفاق الجنوب فأمنياً لا يرى الأردن مشكلة مع النظام واقتصادياً يرى إعادة فتح معبر نصيب وإعادة الإعمار انتعاشاً سوف يعود بالمكاسب، إلا أنه سرعان ما اصطدم بالميليشيات الإيرانية أمنياً والعقوبات الأمريكية اقتصادياً.