عن أماني السوريين.. 2021
تطوي الشابة “منال” عاماً جديداً من عمرها وتغلق معه صندوق أمنياتها الذي كان مليئاً بالأحلام والطموحات بغد مشرق يكون أفضل من سابقه بعد أن بلغت ربيعها الثلاثين بصندوق فاض بالغبار دون تحقيق وأسقطت مع نهايته العديد من أحلامها بعد أن باتت جازمة بعدم جدوى تحقيقها.
تقول منال “إن استسلامنا للأمر الواقع حتّم علينا الرضوخ إلى أن الصبر لن يحقق الأمنيات والأحلام، ولم نعد نتذكر معظمها بحكم التقادم والسعي فقط لتأمين أساسيات حياتنا بعيداً عن العاطفة والانتظار”.
طول أمد الحرب في سوريا لم يبقي للسوريين أحلام بغدٍ مشرق وانتظار الفرج بات مملاً بالنسبة للكثيرين، ولقمة العيش والأمل فقط بالبقاء هو أقصى أحلامهم.
“ما كل ما يتمناه المرء يدركه في زمن أبو الطيب المتنبي، لكن في زماننا لم يبقى للمرء ما يدركه ولا أن يدرك ما يدور حوله” كما وصف الأستاذ محمود السعيد من ريف درعا، مشيراً إلى أنه بات يخجل من سؤال طلابه عن أمنياتهم في المستقبل الذي بات واضح المعالم للقاصي والداني، فلا مستقبل لهم في بلاد أكلت الحرب جميع أحلام شعبها وعائلات فقدت أحبابها وأهالي يتمنون بأن يبقى أطفالهم صغاراً كي لا يستوعبوا ما يدور في محيطهم، على حدّ قوله.
يضيف الأستاذ محمود أنه عادة ما يسمع حديث تلاميذه لبعضهم منهم من يرغب بعد أن يكبر في أن يصبح سائق للعربات المدرعة كوالده الذي مات قبل سنوات على إحدى خطوط القتال، وآخر ينوي امتلاك بندقية والالتحاق بالجبهات، وثالث يرغب بامتلاك مدفع أو سيارة تحمل رشاشاً كبيراً، “فأي أحلام تركنا لهم وماذا لو بقي الحال ذاته لحين يكبرون”.
أم أحمد ما تزال تعدُ أطفالها بعودة أبيهم قريبا فهو مسافر في إحدى الدول البعيدة عنهم يؤمّن لهم مصاريف عيشهم، سبعة أعوام على اعتقاله وأمنيات الأم وأطفالها بعودته إليهم قريباً، الأعوام تطوي وتمر والأم لا تنوي مصارحة أطفالها بواقع أبيهم والغياب الذي منعه عنهم سجن الأسد بعد اعتقاله عن تحقيق أمانيهم برؤيته، فماذا عن أماني المساجين، تقول أم أحمد.
الاستسلام للمشاعر السلبية غالباً ما تقضي على أحلام الإنسان لكن في دول الحروب بات التسليم بذلك أمراً واقعياً حتى في أحلام اليقظة.
السنوات تطوي والذي يراود جبر الحمصي، أحد قاطني مخيم الزعتري في كل عام عن عودة قريبة ونهاية مأساتهم بات بعيداً، يعزي نفسه دائماً بتأقلمهم وأمنهم ضمن المخيم مقارنة بباقي مخيمات دول الجوار، يحلم الحمصي اليوم بخيمة تتّسع لأطفاله بقساوتها وبرد شتائها ولهيب صيفها أما العودة فأضغاث أحلام باتت تتعب التفكير بالنسبة له.
بين حالم بالعودة وآمل بالسفر يقضي الشاب “سامي” أيامه تفكيراً في طريقة مجدية يستطيع من خلالها مغادرة درعا نحو القارّة العجوز بعد أن تقطعت به السبل داخل البلاد عقب انتهاء صلاحية تأجيله الدراسي عن الخدمة العسكرية فهو يرفض بشكل قاطع الالتحاق ولا سبيل للبقاء كما أنه لا استطاعة له للخروج وهو ما يشغل تفكيره دائما متمنياً إيجاد حل لمشكلته.
أبو عصام لاجئ سوري في الأردن، حاله على عكس تمنيات الشاب سامي فهو يحلم بالعودة إلى درعا في حال أفضل من الوضع الراهن وعشر سنوات في المغترب أنهكته ويرغب في رؤية منزله الذي نشأ وترعرع فيه منذ طفولته، السنين تطوي ويخشى أن يأتي الأجل بعيداَ عن الموطن ومكان نشأته، على حدّ قوله.
تفاقم الوضع المعيشي في سوريا جعل من لقمة العيش وجرة الغاز والكهرباء هدفاً وحلماً للمواطن يسعى له ويمكن أن يطغى على من حوله من أجل تحقيقه وكسبه للحفاظ على بقائه.
هكذا يستعد محمد البردان، يومياً مع بزوغ الشمس لأخذ دوره ضمن طوابير الخبز فتأمين خبز أولاده هي من أولوياته وعدم الحصول عليه يعني أن يبقى أطفاله بلا طعام فلا أمنيات عنده سوى تأمين خبزهم وعند تأمينها يصبح لديه متسع لإيجاد المزيد من الأمنيات التي لا تتعدى جرة غاز، كما يصف.