هل تنجح محاولات النظام في احتواء المحافظة الملتهبة؟
في درعا جنوب سوريا لم تستقر الأوضاع الأمنية منذ 10 سنوات، قبل اتفاق التسوية عام 2018 كما بعده ما تزال الهجمات المتبادلة بين المعارضة والنظام مستمرة
نبأ| عبد الرحمن زين العابدين
في درعا جنوب سوريا لم تستقر الأوضاع الأمنية منذ 10 سنوات، قبل اتفاق التسوية عام 2018 كما بعده ما تزال الهجمات المتبادلة بين المعارضة والنظام مستمرة.
ولأن “المحافظة الملتهبة” تعيش واقعاً منفرداً في ظل اتفاقات تسوية متتالية يراها البعض مؤقتة وغير مجدية على الأمد البعيد، يفرض النظام سياسة مختلفة في التعاطي معها بمسارين الأول تجفيف منابع المعارضة من خلال العمليات الأمنية والآخر فرض الاستقرار المؤقت بقرارات يراها البعض “تسكينية”.
آخر هذه القرارات كان تأجيل المتخلّفين عن الخدمة العسكرية في جيش النظام لمدة عام كامل، وهذا القرار خُصّص لمحافظة درعا دون غيرها من المحافظات.
القرار يدعو جميع المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياط بغض النظر عن سنوات التخلّف مراجعة شعبة التجنيد لمنحهم تأجيلاً لمدة عام، وهذا ما أذاعته مآذن المساجد في بعض المدن والبلدات.
وأظهرت صور تداولها سكان وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، بعض دفاتر الخدمة العسكرية لأفراد من المحافظة، قُيّد عليها التأجيل لمدة عام بحسب القرار الإداري رقم 5343 الصادر عن مديرية التجنيد العام قبل أيام.
المنشقون عن جيش النظام والمتخلّفون عن الخدمة العسكرية كانوا وما زالوا من أبرز الملفات العالقة منذ 2018. في التسوية الأولى بدرعا في آب (أغسطس) مُنح للمنشقين والمطلوبين للخدمة مهلة ستة أشهر للالتحاق بالقطع العسكرية وعندما مضت المهلة تم تجديدها لستة أشهر أخرى.
وفي كانون الأول (ديسمبر) عام 2020 توصّلت اللجنة المركزية في درعا إلى اتفاق مع النظام، تضمن تسوية المنشقين من خلال مراجعة المنشق للقضاء العسكري والحصول على أمر ترك من قاضي الفرد العسكري، على أن يلتحق بقطعته العسكرية خلال مدة أقصاها ستة أيام.
ويحيط الغموض حول الأسباب الكامنة خلف القرار الأخير خاصة وأنه لم يأتي نتيجة مباحثات أو اتفاقات مع اللجنة المركزية التي تقود ملف التفاوض عن المحافظة فما هي الغاية منه؟
ازدواجية وعنصرية النظام
يقول الدكتور يحي العريضي، رئيس المكتب الإعلامي في الهيئة العليا التفاوض لـنبأ، إن قرار النظام الأخير بتأجيل خدمة المتخلفين من أبناء درعا “نابع من سياسة العنصرة والتفريق التي ينتهجها النظام بتقديم بعض الخدمات والتسهيلات لمحافظة دون أخرى”.
وأشار العريضي إلى أن القرار السابق دليل على “نفاق وازدواجية” النظام. ويتساءل “كيف يؤجل الخدمة العسكرية لمدة سنة لأبناء درعا وفي الوقت نفسه إيران تعمل على استغلال عوز الناس وتجنّدهم كشبيحة!”.
حزمة من المكرمات
وفقاً لمدير المرصد الاستراتيجي الدكتور بشير زين العابدين لـنبأ، فإن عملية التأجيل وما تبعها من إلغاء ضريبة 100 دولار لمن يدخل البلاد لبعض الفئات، هي محاولة لامتصاص الغضب الناتج عن الأزمة الاقتصادية.
“كما أنها في إطار حزمة من المكرمات ضمن المسرحية الانتخابية التي يرتّب لها بشار الأسد في الشهرين المقبلين” يقول الدكتور زين العابدين، مضيفاً “النظام لن يلتزم بأي من تلك القرارات فقد دأب على الغدر والمراوغة”.
ويرى معارضون أن النظام السوري لم يلتزم بوعوده التي تحدث عنها ضمن اتفاق التسوية بدرعا وعمل فيما بعد على تشديد القبضة الأمنية وسوق المئات إلى التجنيد الإجباري وشن حملات اعتقال بحق مئات المعارضين.
تهدئة الوضع الأمني
يرى الناشط والباحث السياسي محمد الزعبي أن الغاية من قرار التأجيل لتهدئة الوضع الأمني في الجنوب، ولعدم قدرة النظام على استيعاب أعداد جديدة من الجنود خاصة وأن القتال متوقف في معظم الجبهات.
وبحسب الزعبي لـنبأ، “النظام يسعى لمعالجة موضوع الخدمة العسكرية لإيهام اللاجئين في الأردن ودول الجوار بأن الوقت والظروف مناسبة لعودتهم خاصة تلك العائلات التي لديها أبناء في سن الخدمة العسكرية”.
“وبما أن الانتخابات الشاغل الوحيد والأساسي لدى النظام اليوم، فإن أهمية التأجيل تأتي لكسب مشاركة المتخلّفين عن الخدمة في العملية الانتخابية”.
إسقاط رمزية درعا
ويفسّر الضابط المنشق عن جيش النظام حسن عوض (اسم مستعار) قرار التأجيل، على أنه نتيجة الحراك الثوري المستمر في جنوب سوريا بعد التسوية بدليل أن القرار لم يشمل ريف حمص الشمالي وريف دمشق، رغم أن تلك المناطق شهدت تسويات لا تختلف بنودها كثيراً عن اتفاق جنوب سوريا.
ويرى عوض هذا القرار محاولة من النظام لإسقاط “رمزية درعا كونها مهد الثورة السورية” من خلال الحصول على تأييد له في هذه الجغرافيا وليظهر نفسه أمام المجتمع الدولي بأنه يستمع للأجسام المعارضة ويحتويها.