فقد عائلته واليوم يستذكرهم – “كنا نجلس على مائدة الإفطار ستة لكن اليوم لم يبقى أحد منهم”
لم يكن سهلاً أن يتحدث أحمد، عن عائلته التي فقدها في ساعة واحدة قبل خمس سنوات، لكن في بعض الأحيان يكون ذلك سبيلاً للتخفيف من ألم الذاكرة
“في مثل هذا اليوم من شهر رمضان قبل خمس سنوات كنا نجلس على مائدة الإفطار ستة لكن اليوم لم يبقى أحد منهم سوى أنا”
لم يكن سهلاً أن يتحدث أحمد، عن عائلته التي فقدها في ساعة واحدة قبل خمس سنوات، لكن في بعض الأحيان يكون ذلك سبيلاً للتخفيف من ألم الذاكرة.
سنوات مرّت على الحادثة، ما يزال يحفظ أسماءهم وأعمارهم عندما قُتلوا ووجوههم في آخر لقاء معهم حتى حديثهم معه قبل خروجه من المنزل ما زال يتردد في ذاكرته بكلماته وتعبيراته وكأنه دار بالأمس.
“أحمد” في العقد الرابع من العمر لكن ملامحه والشيب الذي يكسوا رأسه يوحي وكأنه تجاوز الستين، ما زال يسكن في مدينة درعا، طلب إخفاء اسمه الحقيقي خوفاً من أن تلاحقه قوات النظام التي تبسط سيطرتها على المحافظة الجنوبية.
يقول أحمد: “لست من الذين يُجيدون وصف مشاعرهم لكنني سوف أقول بواقعية إن فقدان الأبناء والعائلة ليس جزء مهم تخسره من حياتك بقدر ما هو فقدان للحياة بأكملها، فقدان لذاتي لأنني كنت أجد نفسي في وجوه أبنائي، فقدان للكوكب الذي أعيش فيه”.
“كانت لحظات فارقة في حياتي.. حملتهم بيدي إلى المقبرة كنت أمشي ولا أعرف ماذا أقول فقط كنت أحتضن أبنائي”
عام 2015 تعرضت درعا لقصف مكثف من الطائرات الحربية والمدافع بسبب اشتداد المعارك بين المعارضة والنظام، عائلة أحمد كانت في شقة ضمن مبنى سكني صغير عندما تعرض للقصف من طائرة حربية، قُتل كل أفراد العائلة المكوّنة من خمسة أشخاص بينهم أطفال، بقي هو ليكون الناجي الوحيد من المجزرة.
بعد أيام قليلة من مقتل عائلته، كان أحمد قد استعاد جزءاً من وعيه على وقع ما أصابه حتى كانت تصرفاته تُثير قلق من حوله لغرابة المشهد عندما كان يتعامل أحياناً وكأن شيء لم يحدث، لكنه في الواقع لم يفقد تركيزه، يقول إنه كان يواسي نفسه لعلّ تصرفاته تُشغل عقله قليلاً من الوقت عن التفكير في المصيبة.
يتابع “أصغرهم لم تُكمل عامها الرابع وزوجتي التي كانت تستعد لزيارة أهلها حينها، جميعهم غُدروا بالقصف بعد ما كنا نظن أننا في مكان آمن في شقة صغيرة على أطراف المدينة”.
يقول أحمد إن تصديق خبر وفاة عائلته كان الأصعب في حياته، يجب عليه أن يُصدّق ذلك لكنه لا يريد. يقول: “عند إخباري بقصف منزلي دعوت ربي بيني وبين حالي أن لا يكونوا جميعهم ماتوا”.
ركام المنزل الذي قُتلت فيه العائلة ما يزال حتى هذا اليوم شاهداً أمام سكان الحي وخاصة أحمد، يتذكّر كيف وجد أفراد عائلته تحت الركام عندما أزال الأجزاء المدمرة عن أجسادهم.
يسكن في نفس الحي قرب منزله المدمّر يحاول أحياناً عدم المرور أمامه لكنه يقول إنه عندما يتذكّر كيف كانت حياته مع عائلته تقوده قدماه إلى المنزل فيقف أمامه لدقائق متأملاً زواياه التي كانت تمتلئ بضحكات وصرخات أطفاله.
يستطرد أحمد: “في آخر شهر رمضان قضيته مع عائلتي كنت أعمل في منظمة إنسانية، أصادفت العديد من العائلات المنكوبة أحياناً كنت أتخيل نفسي محلهم لكن سرعان ما تذهب هذه الأفكار فكانت لدي عائلتي وينتظرونني على الإفطار”.
“اليوم وبعد نحو خمس سنوات، في كل رمضان أتذكر كيف كانت أجواء العائلة مع اقتراب موعد الإفطار، أحد أطفالي كان يسترق الطعام أحياناً قبل وضعه على الأرض وآخر يشرب العصير للتأكد من برودته، كنا نجلس على الإفطار ستة لكن اليوم لم يبقى أحد منهم سوى أنا”.
اليوم هو أول أيام شهر رمضان المبارك في معظم الدول العربية والإسلامية حيث يجتمع أفراد الأسرة على مائدة واحدة، الشهر الذي يتشوّق له المسلمون على اختلاف ظروفهم لكن العائلة تكون العامل الأبرز لاكتمال الطقوس الرمضانية.
يقول أحمد أنه يحاول أن لا يكون وحيداً على مائدة الإفطار في رمضان، منذ مقتل عائلته يعيش في منزل يعود لأحد أقاربه المسافرين، يقضي معظم أوقاته عند أفراداً من ذويه وأقاربه. “أشعر بالخيبة عندما أبقى في منزلي وحيداً أحياناً وكأنني أفتقد كل شيء حتى الصوت أحاول قدر الإمكان أن أُشغل نفسي أو أستضيف أحد ما من أقاربي أو أصدقائي كل ما في الأمر أنني أشعر بوجود عائلتي لكنني لا أراهم”.
أحمد كغيره من الآلاف الذين يتمنّون في هذا اليوم الإفطار مع عائلاتهم التي غيّبتها الحرب، منهم في المعتقل ومنهم في بلاد اللجوء وآخرين قُتلوا فُرادا أو جماعات.