مروراً بحوران.. كيف كانت تجري عملية تأمين وحماية قافلة الحج الشامي؟
نبأ | صهيب المقداد
في المقال السابق عرضنا لكم الطريق التي تسلكها قافلة الحج الشامي في حوران والقرى التي تمر منها القافلة، ولأن الطريق كان في ذلك الزمن سير على الأقدام وعلى ظهور الإبل فقد كانت القافلة تحتاج لشهور لعبور الطريق كاملة وتمر عبر وديان وأنهار لا يأمنون فيها على القافلة وما تحمله من متاع، وحوران هي أرض واسعة تمتد من دمشق شمالًا إلى جبال عجلون جنوباً وتقطع فيها القافلة مسافة ليست بالقليلة مما دفع الدولة تهتم بإعمار القلاع والمحطات التي تمر منها القوافل، ولم يقتصر الأمر على الدولة العثمانية فعند وقوع حوران تحت حكم قوات محمد علي باشا المصري (١٨٣١-١٨٤٠)، اهتم بشؤون القافلة وأصلح القلاع ومن أبرز القلاع التي أعاد ترميمها “الرمثا” الحورانية.
فكان على الدولة العثمانية تأمين الحماية لهذه القوافل من قطاع الطرق، ومع أنها في بداية عهدها لجأت لاستخدام جيوشها وقواتها لمرافقة القوافل وتأمين الحماية، غير أن بعض القبائل أغارت على القوافل وقتلت من فيها من أهالي وسلبت ما فيها من متاع وأموال، فاتخذت الدولة فيما بعد نهج جديد.
جرت بين الدولة العثمانية والقبائل مجموعة من التفاهمات خاصة في القرن الثامن عشر حول قافلة الحج الشامي، حيث كانت الدولة العثمانية تسعى لتأمين قافلة الحج من النهب والسلب وقطاع الطرق وحتى من اعتداءات بعض القبائل، فكانت تتواصل مع القبائل بهدف قيامهم بتوفير الحماية للحجاج أثناء مسيرهم في أراضي تستطيع القبيلة حمايتها، فكانت الدولة توفر مبالغ مالية تسمى “الصرة” توفرها دار الخلافة العثمانية ليتم توزيعها على القبائل، مقابل حماية قوافل الحج.
فأصبحت القبائل وشيوخها تقوم بتقديم الجمال لوالي دمشق مقابل اجرة معينة يحصلون عليها، ومن المشايخ الذين ساهموا في نقل قافلة الحج، حيث قاموا بتأجير آلاف الجمال لوالي سورية في أواخر القرن الثامن عشر: الشيخ بكار موسى القطيفان (شيخ درعا)، الشيخ احمد عمر المحاميد (شيخ درعا)، الشيخ ملحم بن ناصلا الشبلاق (شيخ الشيخ مسكين)، الشيخ حسن مقداد (شيخ بصير)، الشيخ، ابراهيم علي الزعبي (شيخ المسفيرة)، الشيخ علي الزعبي (شيخ خربة غزالة).
كما حصلت العديد من القبائل على اموال سنوية مقابل حمايتهم الحجيج, فمثلًا: عشيرة ولد علي التي كانت تقضي فصل الشتاء في حوران حتى قلعة الزرقاء كانت تتقاضى مبلغ “الصرة” من العثمانيين يقدر بنحو 55 ألف جنيه، وفي عام 1881 أصبحت قبيلة بني صخر مسؤولة عن تأمين قافلة الحج وتكفّلت بني صخر بنقل المؤن والذخائر من المزيريب حتى القطرانة، والتزموا بتقديم الجمالة لنقل القافلة، إذ لاحظ الرحالة ترسترام أثناء مروره بمنطقة حوران عام 1872 أن فندي الفايز سار مع القافلة من حوران حتى الكرك لمدة ستة أيام، حيث كان ملتزم بتوفير 700 هجان لنقل الحجاج وحراستهم، وسمّي أيضًا الحوراني الشيخ عوض مصطفى اللتيم المقداد بأمير الحج ولقبه بذلك الملك عبد العزيز آل سعود، لترأسه قافلة الحج وتأمينها وما تحتاجه من مكان للراحة في بُصرى الشام وتوفير المياه والأطعمة، وهو الذي قام ببناء دار الحجاج المعروفية في بُصرى الشام.
وهكذا نجحت الدولة في تأمين قوافل الحج والاستثمار في قوة القبائل التي تقطن حَوران، ليستطيع حجاج بيت الله العبور بسلام وأمان إلى مكة المكرمة.