التقارير

درعا بين الاستحقاق الشعبي وجدلية آليات انتخاب أعضاء مجلس الشعب

مؤسسة نبأ الإعلامية – باسل الغزاوي

تستعد سوريا في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر 2025 لخوض استحقاق انتخابي جديد يتمثل باقتراع أعضاء مجلس الشعب،

وفق القرار رقم (44) الصادر عن الهيئة العليا للانتخابات. غير أن محافظة درعا، التي طالما شكلت رمزاً للحراك الشعبي منذ 18 آذار 2011، تقف اليوم أمام انقسامٍ في المواقف بين من يرى في الاستحقاق خطوة تشريعية ضرورية، وآخرين يعتبرونه خطوةً لا تعبّر عن آمال السوريين بانتخاباتٍ ديمقراطية.

القرار رقم 44 لعام 2025 القاضي بتحديد موعد الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس الشعب

رغم الجلسات التحضيرية التي عقدتها الحكومة قُبيل اختيار أعضاء الهيئة الانتخابية والتوضيحات حول آليات الاختيار وشروط الترشّح، بقيت أسئلة بلا إجابة تراود الكثيرين! حاولت مؤسسة نبأ الإعلامية التواصل مع عضو الهيئة العليا حسن دغيم لطرح بعض الاسئلة حول أبرز التحديات الفنية والتنظيمية التي تواجه الهيئات الناخبة، وآليات ضمان التمثيل، وخطوات بناء الثقة بالعملية الانتخابية، وضرورة تشكيل مجلس الشعب في هذه المرحلة. والذي بدوره اعتذر عن الرد.

انتخابات مجلس الشعب في درعا بين الترحيب والتحفظ

يرى عدد من المشاركين في انتخابات مجلس الشعب في محافظة درعا، أن الاستحقاق يمثّل مكسباً تشريعياً وسياسياً لا بد منه، ووجوده ضرورة لملئ فراغ مؤسساتي في الدولة السورية. فقد أكد عمر الحريري، عضو الهيئة الناخبة، أن المرحلة الانتقالية الراهنة حساسة وتفرض وجود مجلس منتخب قادر على مواكبة متطلبات المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن الهيئة الناخبة في دائرة درعا تضم 150 عضواً مكلفين بانتخاب ثلاثة ممثلين، فيما يختلف العدد من دائرة إلى أخرى بحسب طبيعة كلّ دائرة انتخابية.

عمر خالد الحريري – عضو الهيئة الناخبة ومرشح في الانتخابات عن دائرة درعا

هل تضم الهيئات الانتخابية شخصيات من النظام السابق أو متورطة بالتسبب بأذى لمدنيين خلال الثورة السورية؟

اعتبر المرشّح لمجلس الشعب حمزة فهيد، أن الحكومة تتيح للمواطنين ممارسة حقهم القانوني في الاعتراض على أي شخصيات ضمن الهيئات الناخبة في سوريا، وذلك عبر لجان الطعون في القصر العدلي في مدينة درعا. يُكمل فهيد، “لجان الطعون تلقت بالفعل العديد من الشكاوى والاعتراضات ضد أعضاء في الهيئات الناخبة”.

حمزة فهيد – مرشح لعضوية مجلس الشعب في درعا

في الحديث عن برنامجه الانتخابي يركز حمزة فهيد على تمكين الشباب والمرأة ورعاية مصابي الحرب ودعم التعليم، مضيفاً أن وجود شخصيات ثورية ضمن الهيئة الناخبة يعد ضمانة لإيصال صوت فئات تعرضت للتهميش لسنوات طويلة، لأن من عاش المعاناة وكان جزءاً منها أقدر على تمثيل مجتمعه.

لكن هذه المقاربة المؤيدة لم تمنع بروز أصوات متحفظة وناقدة، أبرزها ما طرحه الناشط أبو الوليد الزعبي الذي شدد على أن الانتخابات، رغم ضرورتها التشريعية، لا ترقى إلى أن تكون تجسيداً للديمقراطية التي حلم بها السوريون منذ انطلاق ثورتهم. وأوضح أن السياق الحالي يبقى اضطرارياً لملء فراغ تشريعي، لكن غياب الأحزاب الفاعلة والبرامج السياسية، إضافة إلى أزمة النزوح الداخلي وفقدان الوثائق الرسمية ووجود ملايين السوريين في الخارج، يجعل العملية عرضة لاستقطابات عشائرية ومناطقية قد تهدد النسيج المجتمعي. ومع ذلك، أقر الزعبي بضرورة وجود مجلس تشريعي، ولو بآليات غير مكتملة، مشيراً إلى أن أثره على حياة الناس قد يتضح تدريجياً إذا أُقرّت تشريعات صحيحة خلال الأشهر المقبلة.

أما أحد أعيان درعا البلد، فاعتبر أن ما جرى لا يرقى إلى استحقاق انتخابي كامل، بل أقرب إلى “تزكيات” لأسماء محددة وفق معايير ضيقة مثل الكوتا النسائية والشبابية، منتقداً غياب الشفافية والتمثيل الفعلي. وفي إجابته عن سؤال المقترحات أو الحلول البديلة، اقترحَ تشكيل جمعية تأسيسية من خبراء في مختلف المناطق لمدة عامين، تكون مهمتها وضع أسس دستورية وتشريعية لمرحلة انتقالية جديدة. وبين هذه المواقف المتباينة، يبقى استحقاق درعا الأول بعد سقوط النظام محطة اختبار للقدرة على الجمع بين الضرورات التشريعية ومطلب الشارع بعملية سياسية أكثر شمولاً وتمثيلاً.

التعيين كخيار بديل في مرحلة انتقالية معقدة

في النظام الانتخابي المؤقت الذي أقرّه الرئيس أحمد الشرع لمجلس الشعب (مرسوم رقم 143 لعام 2025)، تم تحديد عدد الأعضاء الكلي للمجلس بـ 210 مقعداً. ثلث الأعضاء يُعيِّنهم الرئيس، بينما يُنتخب الثلثان الباقيان عبر آلية غير مباشرة من هيئات ناخبة محلية تُشكل بواسطة لجان عليا ولجان فرعية. تم تشكيل الدوائر الانتخابية على المستوى الإداري حسب المحافظات، وتم توزيع عدد المقاعد بين المحافظات وفق التوزيع السكاني استناداً إلى إحصاء عام 2010.

بالنسبة لحصة محافظة درعا، فقد اعتُمد لها تمثيل مكوّن من تسعة أعضاء في هذا التوزيع، ثلاثة منهم يتم تعيينهم من الرئيس أحمد الشرع.

وبينما تطرح هذه الآلية كحل مؤقت لإطلاق عمل المجلس في مرحلته الأولى، يرى بعض السياسيين أن الواقع الميداني والظروف الأمنية تجعل من التعيين خياراً أنسب من انتخابات موسعة، وهو ما أكده ناصر الحريري…

ناصر الحريري، أول برلماني منشق عن مجلس الشعب في عهد نظام بشار الأسد، يرى أن الظروف الراهنة في سوريا لا تسمح بإجراء انتخابات عامة واسعة النطاق، مشيراً إلى أن الأوضاع الأمنية غير المستقرة في الجبل والمنطقة الشرقية والساحل، يجعل من العملية الانتخابية الكاملة أمراً بالغ التعقيد. ورأى أن التعيين في هذه المرحلة الانتقالية يعد خياراً طبيعياً لا يثير إشكاليات، لكونه يختصر التحديات الأمنية والتنظيمية، ويمنح فرصة لتسيير شؤون البلاد بحد أدنى من الاستقرار المؤسساتي.

ناصر الحريري – أول برلماني منشق عن مجلس الشعب في عهد نظام بشار الأسد

أما على المستوى التشريعي، أوضح الحريري أن تطلعات السوريين من مجلس الشعب الجديد تتمثل في تعديل القوانين القديمة التي لم تعد مناسبة لمرحلة التطور والحداثة، وإصدار تشريعات جديدة تتماشى مع آمال الشارع، إلى جانب تبسيط الإجراءات الحكومية، وزيادة الرواتب، وتحسين مستوى المعيشة. كما شدّد على ضرورة إقرار قانون يسقط جميع الأحكام والإجراءات الصادرة عن نظام الأسد بحق معارضيه.

وفي ما يتعلق بالعملية الانتخابية ذاتها، يرى الحريري أن اللجان الفرعية لا تمثل الشارع السوري بشكل كامل، لكنها اعتمدت كبديل مؤقت عن الانتخابات العامة، ورغم ذلك تفاعل معها السكان لدفع العملية السياسية إلى الأمام. أما عن موقفه الشخصي، فأوضح أنه لم يشارك في العملية ولم يُدرج ضمن الهيئة الناخبة، ولو طُلب رأيه لكان مع خيار التعيين الكامل عبر مرسوم واحد باعتباره أكثر وضوحاً وأقل تعقيداً في هذه المرحلة.

يُعتبر ناصر محمد خير الحريري من أوائل المنشقين عن مجلس الشعب السوري مع بدايات الثورة السورية، حيث خرج في مقابلة تلفزيونية على قناة بي بي سي، حمّل خلالها قوات الأمن المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات بحق المتظاهرين في درعا جنوب سوريا. وفي 23 نيسان/أبريل 2011، أعلن استقالته بشكل صريح عبر قناة الجزيرة احتجاجاً على النهج القمعي الذي اتبعه النظام ضد المدنيين. لم يتوانى النائب خليل الرفاعي (أبو أسامة) عن الانشقاق، الذي أعلنه هو الآخر احتجاجاً على القمع الأمني، ليُسجَّل من أوائل المنشقين عن المجلس. لجأ الرفاعي بعدها إلى الأردن حيث بقي حتى وفاته في 20 آذار/مارس 2020.

بين التفاؤل والحذر

يبقى المزاج الشعبي في درعا متأرجحاً بين من يرى في المجلس القادم فرصة حقيقية لإحياء الدور التشريعي المعطل منذ سنوات، وبين من يخشى أن تتحول العملية إلى مجرد إجراء شكلي يقتصر على المصادقة على قوانين قد لا تُحدِث التغيير المطلوب في البلاد. وفي المحصلة، يعكس استحقاق درعا نموذجاً مصغراً للجدل السوري الأوسع: هل الأولوية اليوم لتأمين الخدمات وإعادة الإعمار وتحسين المعيشة، أم للشروع في استحقاقات سياسية تعيد رسم المشهد الوطني؟ وهل سيكون مجلس الشعب القادم قادراً فعلاً على تمثيل السوريين بمختلف شرائحهم، أم أنه سيبقى خطوة انتقالية مؤقتة في مسار طويل ومعقد؟

ومع بقاء أيام قليلة على انتخاب الهيئة الناخبة لـ ستة مرشحين يمثلون محافظة درعا في مجلس الشعب، إلى جانب ثلاثة آخرين يختارهم الرئيس الشرع، تبدو المحافظة على موعد مع استحقاق هو الأول من نوعه خلال السنوات الأخيرة. فالشارع المحلي يتطلع إلى مجلس يعبّر عن أصواته ويكسر احتكار النظام السابق للتشريع والقوانين، فيما تبقى قدرة هذا المجلس على تلبية تلك التطلعات رهن التجربة المقبلة وما ستسفر عنه من مخرجات وتشريعات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى