ما حقيقة الدور “الإسرائيلي” في جباتا الخشب؟| تقرير
باسل الغزاوي، مهند شحادة/ القنيطرة
عايشت بلدة جباتا الخشب في ريف محافظة القنيطرة جنوب سوريا مأساة التهجير القسري كغيرها من المناطق التي طالبت بالتغيير في البلاد، وخضعت منذ صيف العام 2018 لشروط اتفاقات التسوية المبرمة بين فصائل المعارضة والنظام برعاية موسكو، إلا أن ما حصل في البلدة الصغيرة يختلف عن مثيلاتها إذ كان العامل الإسرائيلي حاضراً بقوة على مستوى رسم ملامح الأحداث قبل وخلال وبعد توقيع الاتفاق.
يعد فصيل فرسان الجولان المدعوم من “تل أبيب” أبرز التشكيلات العسكرية التي “حكمت” جباتا الخشب خلال سنوات الثورة، وربما هذا ما مهد الطريق لتكون “إسرائيل” أحد الأطراف المشاركة في إبرام اتفاق خاص بالبلدة عن طريق مفاوضات مباشرة مع موسكو بما يحفظ مصالح الأولى في منطقة شديدة الحساسية فيما يخص قضايا الأمن والنفوذ الإسرائيلي وفق ما أفاد به مصدر خاص لمؤسسة نبأ الإعلامية وطلب عدم الكشف عن اسمه، إلى جانب تسجيل صوتي لقائد الفصيل المذكور ومندوب موسكو يثبت حضور العامل الإسرائيلي في التفاهمات حول مصير جباتا الخشب.
“صابر علي” أحد العاملين في قطاع الإغاثة سابقٌا والذي ما زال مقيمًا في جباتا الخشب أكد لـمؤسسة نبأ، أن الدور الإسرائيلي فيما يخص أوضاع البلدة ما زال متواصل حتى اللحظة، مضيفًا ” شكلت “إسرائيل” مجموعة من خمسة أشخاص داخل جباتا الخشب مهمتها تزويد تل أبيب بكل التفاصيل والمعلومات حول ما يجري داخل وفي محيط البلدة من جهة النظام، سواء على صعيد تحركات الأخير العسكرية إذ تحظر الأولى على النظام إدخال أي عتاد ثقيل إلى تلك المنطقة، أو ما يخص عمليات تجنيد حزب الله وميليشيات إيرانية أخرى لعناصر من المنطقة”.
تعيد هذه المعطيات طرح التساؤل الشائك عن حقيقة الأدوار التي لعبتها “إسرائيل” في رسم وتحديد المسارات جنوب سوريا إبان سيطرة الثورة على مساحات واسعة منه ومدى تورط بعض الأطراف المحسوبة على الأخيرة في فتح وتمهيد الطريق أمام تل أبيب، في حين ترى بعض وجهات النظر أن مثل هذا الطرح فيه الكثير من التجني لأنه يتعاطى مع جانب من النتائج دون تحليل المقدمات التي أدت إليها.
وفي هذا الجانب، يقول اللواء المنشق “محمد الحاج علي” لـمؤسسة نبأ، “الحديث عن أن الثورة سعت إلى بناء علاقات مع إسرائيل يفتقر إلى الكثير من الموضوعية وينطوي على ظلم كبير، لأن الوقائع تؤكد أن من فتح الطريق لمثل هذه الاختراقات هو الأسد وعصابته القاتلة من خلال قصف وتدمير المدن والأحياء وحرمان المواطنين حتى من حقهم في العلاج داخل مشافي وطنهم وتركهم ينزفون حتى الموت في العراء وهو ما دفعهم للالتجاء إلى بوابة العدو خاصةً بعد أن أغلق الأشقاء الأردنيون حدودهم في أكثر من مناسبة أمام الجرحى السوريين، وهذا لا يعني بأي حال التبرير لبعض ضعاف النفوس أعماهم الجهل واستخدمتهم إسرائيل لخدمة مصالحها، إلا أن أصل وعنوان كل هذا الخراب في سوريا هو النظام الحاكم”.
وبعيدًا عن العوامل السياسية الحاكمة للمشهد في إطاره العام تبقى القضايا الحياتية اليومية هاجسًا يسيطر على الغالبية من سكان جباتا الخشب، إذ تعاني نقصا كبيرًا على مستوى الخدمات الطبية وفق ما أفاد به العلي موضحًا “بعد التسوية أُغلق المشفى الميداني وتعتمد البلدة حاليًا على مستوصف وحيد بإمكانات متواضعة جدًا تعجز عن تقديم العديد من الخدمات العلاجية، حيث يتم تحويل معظم الحالات المرضية إلى مستشفى أباظة في مركز المحافظة”.
وبحسب اللواء الحاج علي، فإن اتفاق التسوية الخاص ببلدة جباتا الخشب انتهى منذ آذار/ مارس الماضي، ويرفض النظام تجديده حتى الآن دون أسباب واضحة، مرجحًا أن السبب الرئيسي ربما يكمن في عجز الأخير عن إحكام قبضته الأمنية على البلدة، مشيرًا إلى أن “البلدة حتى اللحظة -أمنياً- تحت سيطرة مجموعات محلية من بقايا فصائل المعارضة سابقًا ولا تدخلها أي تشكيلات عسكرية أو أمنية للنظام”، منوهًا إلى بعض الإشكالات التي تحدث بين فترة وأخرى على أطراف البلدة بين ميليشيات النظام والمجموعات المسيطرة عليها من الداخل.
وأوضح “صابر علي”، أن تسيير أمور البلدة يجري عبر لجنة أهلية مدعومة من المقاتلين المحليين مسؤوليتها التواصل مع “أجهزة” النظام لتأمين متطلبات الحياة اليومية من خدمات وغيره، وتتحفظ نبأ على ذكر أسماء اللجنة بناء على طلب المصدر، الذي أضاف أن النظام أعاد تفعيل عمل المخفر والبلدية في جباتا الخشب بالإضافة إلى تمركز سرية استطلاع من أربعة عناصر تابعة للواء 90 على الحدود مع “إسرائيل”.
أما عن خروقات اتفاق التسوية أشار علي إلى أنها محدودة وأبرزها وفق وصفه اعتقال 12 شخصاً من المنشقين بعد تسليم أنفسهم طواعية بناء على ضمانات روسية أفرج عن ثمانية منهم فيما لا يزال 4 آخرين مجهولي المصير، إلى جانب حادثة اعتقال حاجز خان أرنبة فبل أيام لأحد عناصر لواء فرسان الجولان سابقًا ليرد عناصر الأخير بإطلاق النار على مخفر البلدة وحاجز للنظام على أطرافها قبل البدء بمفاوضات بين اللجنة الممثلة عن البلدة وشعبة المخابرات أقضت إلى إطلاق سراح الشاب مساء أمس.