درعا: الحياة الكريمة في وادٍ والمرأة في وادٍ آخر
فداء الحسن، اسماعيل المسالمة/ نبأ
السبيل الوحيد للعيش عند، عائشة نور الدين (اسم مستعار) مع طفليها هو زراعة بعض أنواع الخضار في الأرض المحيطة بمنزلها غرب درعا، فلا بديل لها عن ذلك بعد أن غيّبت الحرب زوجها الذي قُتل باشتباك ضد عناصر النظام قبل نحو خمس سنوات، وشقيقيها المعتقلان في سجون النظام.
منذ الساعة الثامنة صباحاً وحتى الظهيرة، تتفقّد عائشة محصولها الذي لا تتجاوز مساحة زراعته ألف متر مربع، تجني ما يلزمها لعائلتها وتبيع ما يزيد عن حاجتها للأهالي القاطنين بجوارها أو بعض المحال الصغيرة في بلدتها المطلّة على المثلث الحدودي مع الأردن والجولان المحتل.
تقول عائشة نور الدين، إن بيع بعض أصناف الخضار (البامية – البندورة – الكوسا) من محصولها يعود عليها بمبلغ يتراوح بين 15 – 20 ألف ليرة سورية (15 دولار أميركي) كل شهر، وهو الدخل الوحيد لعائلتها مع غياب جميع أشكال المساعدات وكفالة الأيتام.
تضيف لـنبأ: “في منطقتي لا توجد أي فرصة عمل للمرأة تكفي حاجتها وعائلتها، الكثير من النساء يعملن في جني المحاصيل الزراعية وهو عمل مجهد وأجره زهيد جداً لا يكفي للمرأة وحدها”. وتتابع عائشة متسائلة: “كيف يمكن أن تتدبّر عائلة مكونة من أربعة أو خمسة أشخاص بأجر يصل في حدّه الأعلى إلى ثلاثة آلاف ليرة باليوم الواحد؟”.
الهيئات المعارضة وبعض منظمات المجتمع المدني كانت توفر ما لا يزيد عن ألف فرصة عمل للمرأة في محافظة درعا، في مجالات مختلفة أبرزها الإنقاذ والإسعاف والإحصاء، إضافة لورشات مهنية، إلا أن جميعها اندثرت مع سيطرة النظام وروسيا على جنوب سوريا عام 2018 الأمر الذي أدى إلى توقف عمل جميع الهيئات والمنظمات في المنطقة.
لجين مليحان، صحفية من محافظة درعا تقول لـنبأ إن إيجاد الحد الأدنى من المعيشة في ظل الظروف الراهنة، هو أمر صعب جداً وخصوصاً لأصحاب الدخل “المعدم” وعائلات الأيتام، الغلاء فاق المستطاع والعبء تضاعف على الجميع بمن فيهم النساء.
وتشير مليحان إلى أن سيطرة النظام على جنوب سوريا، أثّر بشكل كبير في هذا الجانب فالكثير من النساء فقدن أعمالهن بعد أن كانت بعض المنظمات توفّر فرص عمل للمرأة وتعمل على تمكينها في المجتمع، كما أن ذلك أثّر على الهيئات والجمعيات التي كانت تقدم مساعدات مالية ومادّية منتظمة للأيتام إلا أنها توقفت أيضاً منذ أكثر من عامين.
وبحسب إحصائيات محلية فإن أكثر من 10 آلاف يتيم في درعا انقطعت عنهم الكفالات بشكل كامل منذ عامين، وانضم لهم 250 يتيم على الأقل من ذوي ضحايا الاغتيالات والتفجيرات التي وقعت خلال العامين الأخيرين في المحافظة.
درعا: أكثر من 10 آلاف يتيم محرومون من الكفالات.. هل من سبيل لعودتها؟
وذكرت الصحفية مليحان جانباً آخراً أثّر على المرأة بسبب سيطرة النظام، وهو خروج عدد كبير من الأزواج عبر طُرق التهريب إلى الشمال السوري بسبب الملاحقة الأمنية، وبالتالي ترك الزوجة والأطفال في درعا بمواجهة المتاعب والمشقّة في تأمين المعيشة.
ومنذ سيطرة النظام وروسيا على درعا، تعرّضت عدد من النساء للاعتقال والاختطاف تركّزت معظمها في مدينة درعا التي شهدت في شهر آذار من العام الجاري احتجاجات غاضبة في منطقة درعا البلد إثر اختطاف قوات تابعة لفرع الأمن العسكري التابع للنظام، لامرأة في وضح النهار في مركز المدينة.
واعتبرت الصحفية غلا الحوراني، الخوف والاعتقال هو السبب الرئيسي لاندثار فرص العمل للمرأة في درعا، في ظل انتشار الحواجز العسكرية للنظام والميليشيات الأجنبية في معظم المحافظة، ولا يأمن السكان على خروج المرأة أو تنقّلها بين المناطق.
وترى الحوراني أن الطريقة الوحيدة المتوفرة لدى النساء لتأمين معيشتهن، هي التوجه للعمل من المنزل بمهام خارجية مثل الخياطة أو بيع الملابس في المنزل أو حتى استحداث روضة لأطفال الحي في منزلها ولو بالإمكانيات البسيطة المتاحة.
وأضافت لـنبأ، أن المغتربين من أبناء المحافظة يجب أن يكونوا على قدر من المسؤولية تجاه العوائل التي تفتقر لمصدر الدخل وخصوصاً الأيتام والأرامل.
وفرضت الحرب المستمرة منذ نحو 10 سنوات، على المرأة السورية أعباء ومهام لم تعتد عليها من قبل، فالكثير من النساء في الوقت الحاضر تخوض كفاح وجودي بمهام متعددة من بينها الخروج إلى سوق العمل وتربية الأبناء وتأمين المعيشة المناسبة، ويُضاف إلى ذلك مواجهة فقدان الحياة الأسرية والمشاكل المجتمعية عند النساء اللواتي فقدن أزواجهن خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز الأميركية، فإن حصول المرأة على عمل مدفوع الأجر مرهون بالمكان الذي توجد فيه، وتختلف ردود فعل الناس وتعاملهم معها من منطقة إلى أخرى.
المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قالت في تقرير سابق لها، إن عشرات الآلاف من نساء سوريا وقعن في دائرة المشقة والعزلة والقلق ليكافحن من أجل البقاء والعيش في ظل حرب قاتلة.