إلى الحوارنة.. أنجزوا “مجلسكم” وانتخبوا “قادروفكم”!
أسوء ما في الكتابة عن سورية، إنها مغلقة، ومخاطر الكتابة عما يجري في حوران، تعني بأحد جوانبها، تهماً وعمالة، والدعوة للقبول بالروسي، خيانة ومجازفة أحرقت ساسة سوريين.
لم يعد وضع حوران يحتمل كل هذه الحسابات، والهروب مضيعة جديدة، وتشتيت، والحديث في العموميات الوطنية والقومية والدولية، “ترف” فهناك من أراد الحياة وسبلها -وهم بمئات الآلاف- بعد سنوات التناحر الإقليمي والدولي.
ما الخيارات الممكنة في الساحة الحورانية، وماهي حساباتها؟.
في غرب حوران، يوجد الإيراني والفرقة الرابعة، ومفاوضات تجنّد شباب المنطقة مرة للقتال في الشمال وأخرى في ليبيا، في واقعٍ قد يفرض التحول الأقسى، الذي لا يملك أحد أن يمنعه، مترافقاً مع عمليات اغتيالٍ مجهولة الدوافع والخلفيات لكثرة الفصائل وارتباط بعضها بالأمن العسكري أو الجوّي أو الرابعة أو التبعية لقياداتٍ إيرانية.
في شمال المحافظة تتداعى بنية المدن، وعلى تخومها فرق عسكرية، كالسكين على رقاب العباد، واختراقات أمنية تظهر جلية بعمليات الاغتيال، ليس آخرها “الجلم ” في جاسم، فيما تنعكس الاختراقات لتبدو كصراع الفيلة، فتسحق الناس وتهاجم العوائل بعضها، ويتدخل القتلة كـ “حمامات السّلام”، لتقبّل بعدها يد قاتلك الخفي، لأنه ساعدك في الوصول لقاتلك الجلي المرتهن عنده، هذه سياسة نظام الأسد منذ عقود.
شرقاً في بصرى تختلف المؤشرات لتفرز “قادروف” جديد يلعب مع الروسي، نعم مع قاتل أهله بالأمس وحليفه اليوم، وعلى قاعدة أفضل السيئ، و”الرمد أهون من العمى”، أو “ليس بالإمكان أفضل مما كان”.
“قادروف” ببصرى وما حولها، لا اختراقات أمنية بمحيط ملعبه، ولا تنازع على أرضه، ولا خصومات – في الظاهر على الأقل- تهدّد وجوده، فالضغط الروسي على الأسد أتى بالقبول لكل مطالبه، التي لم يكن آخرها تسوية أوضاع عشرات الضباط ومئات العناصر، أو عدم المغادرة باتجاه الشمال أو ليبيا.
بل يصل لأكثر من ذلك، باتخاذ موقف علني ضد الأسد يحضر بين مناسبة وأخرى، وقبول روسي للمرة الأولى بمعارضة عسكرية للأسد، نعم، عسكرية بسلاحها الخفيف والمتوسط.
على مستوى الاستجابة لرغبة الناس في سبل الحياة، فإن الخدمات المقدمة عبر الجانب الرسمي السوري، تبدو للمراقب أوفر مقارنةً بشرقها وغربها أو يمكن القول بأنها منضبطة بفعل قوة الأمر الواقع.
الصورة الأوضح إن إقبال الناس على الحياة، لا يتعارض مع رفض الأسد، فالشباب المنخرط بالفيلق الخامس خلفه حاضنة مجتمعية تتجاوز عشرات الآلاف من السكان، هذا يبقي النديّة مستمرة ويحصّنها، قياساً بغياب البوصلة في شمالها وغربها، بل تنعكس نسبياً في مناطق الفلتان الأمني، وتقترب من دعوة الجيش الأسدي، للعودة مجدداً، لإرساء حالة الأمان المجتمعي، وتغذي هذه الدعوات صفحات وقادة رأي وقوى مستفيدة.
توسيع قبول الفيلق أو “قادروف الجنوب” ليشمل مدن المحافظة، تبدو مغامرة، قد تصيب أو تخطئ، لكنها تضمن في أحد جوانبها، مشروع موحد، عنوانه توسيع القاعدة ضد الأسد، وتعزيز سبل الحياة لدى الناس، فقد تطول السنوات وينتفض الناس هذه المرة بوجه الثورة وسيرتها، وتحمّل المسؤولية السياسية والأمنية لطرف محدد، وهناك تجربة لقوى في شمال سورية أنجزت وحدد قادتها للخيارات القادمة.
وفي استحقاقات المجلس الموحد تضمن أن القيادة على الأرض، قد تُخطئ ببعض التفاصيل، لكنها ليست في أقاصي الأرض وأقطابها، ولعلّ قربها الجغرافي لصالح جمهورها.
ثمة خيانة لدم الشهداء بقبول الضامن الروسي، صحيح، والتوصيف يشمل المؤيد والمعارض على حدٍّ سواء، السياسي مع النظام وضده، فمن رحب ب “أبو علي” وقدم له مئات آلاف الشباب السوري على أمل الخلاص، هو ذاته من يلعنه اليوم، وقد باعه بحقول الفوسفات وقاعدة حميميم، ومن اعتقد أن الروسي واجه الأميركي بالفيتو عشرات المرات “كرمة لعيونه” بات اليوم مدركاً أنه “يجره” مكرهاً لما يتوافق عليه مع الخصم المحلي أو الدولي.
الكل خسران، والروسي ليس جمعية خيرية، والفرق واضح بين مضطر كحال دول سابقاً، فالفرنسيون تحملوا النازي سنوات وحانت حريتهم بمساعدة الأمريكي، ولم يكن أجدادكم السوريين بأكثر وطنية منكم حين تحملوا الفرنسي ربع قرنٍ، حتى تحرك البريطاني ليحين موعد حريتهم، والأمثلة كثيرة،
والفرق واضح بين من شرب كأس الوهم، وبين من قاوم وحاول، فحِفظُ النفسِ أولويةٌ، في المعادلات الكبيرة، والنتيجة -رغم إنها- واحدة لكنها بالمعيار الأخلاقي أخف وطأة.
كيف تُجمعون على انتخابه، ليس هو بالضرورة، أيا كان ممن تجدوه أهلاً لمشاورتكم، وعنوانكم، وتمثيلكم، عبر وحدات محلية ترسل ممثليها للدائرة الأوسع وصولاً للإنجاز الضروري.
و”قادروف” الموجود يُرضي تناقضاتكم المحلية والإقليمية والدولية، فداعمه” الإماراتي المحاميد” ولحيته “قطرية” وسلاحه الغير شرعي ” مرضي عنه روسيا، ولديه من القادة العسكريين والشباب الثائر ممن لا يسلمون رقابهم. وعدوه وعدوكم واحد، وشرقه “غصم الثورة” أخواله وأعمامه، وفي حاضنته بصرى ” الشيعة” وقد أبعدهم إلى حين السلم وليس لنهاية العمر، وله خصوم كثر، فإن تآلفت قلوبهم، قوت شوكتهم، وتجاوزوا التهم ولعلها تعم بالاتساع.
ماذا إن باعكم “قادروف” جميعاً، هذا يبدو لي صعباً، فالجميع “رجله بالفلقة”. لكنه قد يحدثُ بمتغيرات الظروف، وحينها لن نرجمَ بعضنا البعض، ونعاود مسيرة الاغتيالات دون وجه حق ولا معرفة الفاعل، سيكون خصمنا واضح وعلني ومحاسبته ممكنة ومحقة، ولعنة التاريخ على الخونة.
وإذا نجحتم معه فقد نشهد ولادة الثورة الثانية تزدحم الساحات آمنة، مطالبة بالإفراج الفوري عن المعتقلين، والانتقال السلمي لسلطة الأسد، وحماية السلم الأهلي والمكونات المجتمعية، ومحاسبة القتلة السابقين، بوجود مؤسسات باقية لا نشهد انهيارها، وقد تصدّر حوران نموذجها كما صدّرته أوّل مرة في الثامن عشر من آذار ٢٠١١.
أقول رأيي هذا، وحسبي الله، أنْ لا رجاء لي ولا نية، ولا وعد، ولا تواصل، سوى وقف دماء أهلي كوابيساً، مع كلّ عاجل، وأخشى باستمراره أن نفيق على اقتتالٍ محلّي – محلّي، أو عائليّ – عائليّ.
الكاتب: محمد العويد