مجتمع

الإنجاب من عدمه.. هكذا ألقت الأزمة المعيشية ظلالها على الأزواج

نبأ| أحمد الجوابرة

لماذا اقترن قرار الإنجاب بتحسّن الظروف المعيشية عند البعض من الأزواج؟

لطالما كانت الظروف المعيشية آخر الأسباب التي قد تجعل الأزواج يمتنعون عن الإنجاب أو الاستمرار فيه بعد الطفل الأول أو الثاني وهو ما يُفسّر عدد الأفراد الكبير في بعض العائلات محدودة الدخل في المجتمع المحلي.

لكن شيئاً ما تغيّر وجعل ظروف الحياة الصعبة سبباً رئيسياً في اتخاذ قرار الامتناع عن الإنجاب (في الوقت الراهن) وربطه بتحسّن الوضع المادي دون سقف زمني لذلك باتفاق بين الزوجين أو بقرار من الزوج فقط عند البعض.

من الذي تغيّر؟

روان القاسم (اسم مستعار) من بلدة المزيريب غرب درعا، تقول بعد تردد “قرار تأخير الإنجاب جاء من زوجي بسبب عجزنا عن تأمين الطعام والاحتياجات الأساسية لعدم توفر فرصة عمل لزوجي منذ أكثر من عام ونصف”. وذكرت أن لديها طفل واحد (5 سنوات) وهي ترغب في إنجاب الطفل الثاني منذ عامين.

وأعربت القاسم عن خيبتها بعد محاولات إقناع زوجها بتغيير رأيه في الإنجاب، وتضيف: “بالرغم من رغبتي برؤية طفلي الثاني ومعارضة قرار زوجي لكني أعرف ما يتخوّف منه، فهو لا يريد أن يشعر بأنه عاجز أمام متطلبات الطفل”.

لا شكّ أن الأزمة المعيشية المتفاقمة هي الأشد على الإطلاق وخلال العام الأخير تبدّلت أحوال السكان حتى أصبح الكثير منهم غير قادرين على تأمين المتطلّبات البسيطة لعائلاتهم مثل الطعام واللباس وأخضع ذلك خيار الإنجاب إلى التفكير والحسابات.

أسعار حليب وحفاضات الأطفال التي ارتفعت إلى حدّ غير مسبوق خلال الأشهر الأخيرة، تشكّل كابوساً عند المتردّدين في قرار الإنجاب فهي من الاحتياجات الأساسية لكل طفل وتبلغ ميزانيتها في الأحد الأدنى 15 – 20 ألف ليرة سورية شهرياً، أي ما يعادل نصف راتب العامل وثلث راتب الموظف الحكومي.

“الأزمة المعيشية قضت على قول كل طفل رزقته تأتي معه”، كما يقول رأفت الزعبي، موظف في إحدى الدوائر الحكومية بمدينة درعا. مضيفاً: “سابقاً وبالرغم من وجود أزمة معيشية إلا أنها كانت أخف وطأة وكان بالإمكان تأمين المتطلبات ولو بالحد الأدنى، أما الآن اختلف الأمر وكل شخص ليس لديه عمل أو من ذوي الدخل المحدود أصبح يتراجع عن طموحاته سواء بالزواج أو الإنجاب”.

قرار فردي أم مشترك؟

تقول روان القاسم إن تأخير الإنجاب عادة ما يجلب معه المشاكل والخلافات الزوجية والتي وصلت في نهاية المطاف إلى عدة حالات طلاق ويكون بذلك قرار التأخير أو الامتناع من طرف واحد وخاصة إذا كان من الزوجة.

وتحدثت القاسم عن صديقتها دون ذكر اسمها، التي اكتفت بطفلتها الوحيدة منذ زواجها قبل أربع سنوات ونصف وتحاول بشتى الوسائل ومن بينها حبوب منع الحمل، عدم الإنجاب مرة أخرة بسبب ضيق المعيشة وعدم استقرار علاقتها مع زوجها وعائلته التي تسكنها معها.

وتابعت: “زوجها أثار مسألة الإنجاب معها مرات عدة وحتى أن والدته تدخلت في هذا الأمر وحصلت بعض الخلافات، إلا أن صديقتي مصرّة على عدم الانجاب حتى الانتقال إلى بيت آخر دون عائلة زوجها وتحسّن ظروفهم المادية”.

الخلافات الزوجية وحالات الطلاق في درعا تزايدت خلال العامين الأخيرين لأسباب مختلفة ومن بينها الاختلاف حول مسألة الإنجاب وتذمّر أحد الأزواج من الآخر بسبب اعتراضه على الإنجاب في الوقت الحالي، الأمر الذي يدفع الأزواج إلى اللجوء لرجال الدين لحل الخلافات.

وحول ذلك يقول الشيخ محمد أبو عثمان، إمام وخطيب سابق في درعا : “إن منع الحمل بسبب عدم القدرة على القيام بنفقة الأطفال فهذا سوء ظن بالله تعالى ولا يجوز ذلك وهذا من عقيدة الجاهلية في قتلهم أولادهم خشية الإملاق”، على حدّ قوله.

670 ألف ولادة في العام الواحد قبل عام 2011، يُقابلها 270 ألف ولادة عام 2019 (وفق المكتب المركزي للإحصاء)، أرقام تشير إلى الانخفاض الكبير في عدد الولادات لأسباب عدة من بينها التحديد والمنع بسبب الأزمة الاقتصادية والظروف الأمنية في مناطق مختلفة من سوريا.

أسباب أخرى

سنوات الحرب جاءت بالحمل الثقيلة على جميع من عايشها سواء في مناطق سيطرة النظام أو المعارضة، ومن وجهة نظر مختلفة فإن البعض يعتقد بأن إنجاب الأطفال في هذا الوقت بمثابة القضاء على مستقبلهم قبل ولادتهم.

“رؤية الأطفال يعملون في ظروف صعبة ومنهم مهمومون، محرومون من أبسط حقوقهم، كانت سبباً في تراجع العديد من الأشخاص الاستمرار في إنجاب الأطفال خوفاً على مستقبلهم”، كما يقول رأفت الزعبي مشيراً إلى أن الحديث في هذا الموضوع تكرر مرات عدة مع زملائه في المديرية ومنهم من يرى في ذلك وجهة نظر، على حدّ قوله.

ويرى الزعبي أن عدم الإنجاب لهذا السبب غير منطقي وهو بمثابة “الاعتراض على قضاء الله وقدره” لكن ظروف الحياة القاسية وما آلت له الأوضاع بسبب الحرب دفعت البعض إلى التفكير بهذا المنحى وأمور أخرى تخالف المفاهيم الدينية والاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى