التقارير

ثلاثة عوامل جعلت من درعا “محافظة غير منضبطة” – فما هي؟

ثماني عمليات اغتيال جرت خلال 72 ساعة الماضية في مناطق مختلفة من محافظة درعا استهدفت اثنتان منها ضابطين في قوات النظام ما أدى إلى مقتلهما.

عمليات الاغتيال والهجمات والتي تستهدف في غالبها ضباط وعناصر من النظام أو متعاونين معهم من المعارضين السابقين، مستمرة منذ أكثر من عامين وبوتيرة مرتفعة بشكل يختلف عن باقي المحافظات والمناطق التي خضعت لسيطرة النظام خلال السنوات الأخيرة.

هذه الحالة جعلت من المحافظة الجنوبية منطقة غير مستقرة أمنياً وبوصف ضباط النظام جعلها “محافظة غير منضبطة” وهذا ما يفسّر التغييرات المتعاقبة على مستوى رؤساء الأفرع والمسؤولين الأمنيين فيها وفرض المزيد من القيود والتضييق الأمني وتوسيع دائرة المتابعة والملاحقة لمئات الأشخاص الذين خضعوا لاتفاق التسوية قبل نحو عامين ونصف.

ويرى مراقبون أن المنطقة الجنوبية تفرض حالة خاصة مختلفة عن باقي المناطق السورية لعوامل عدة وبالتالي تحتّم على الأطراف الرئيسية الفاعلة في ملف المنطقة، التعامل بطريقة خاصة وبحذر شديد تخوفاً من الانزلاق وتفجّر الأوضاع ما يعني العودة إلى فترة ما قبل اتفاق التسوية.

الدول المتصارعة

الجنوب السوري كخارطة جغرافية جذب إليه إيران والميليشيات التي تدعمها، يُقابلها إسرائيل والأردن الشريكان في الخارطة ذاتها لحدودهما مع المنطقة، هذا التزاحم غير المرغوب جاء بروسيا كلاعب وسط بين الطرفين وبذلك تكون الدول الأربعة صاحبة القرار الأول والأخير وما يجمعها هو الهدف ذاته “عدم فرض الطرف الآخر هيمنته على المنطقة”.

هذه التصوّر يراه المحلل السياسي أمجد الزعبي، عاملاً رئيسياً في عدم استقرار الأمن في جنوب سوريا وبالوقت ذاته يفرض عدم تفاقم الهيمنة التي تسعى إيران والنظام السوري فرضها كما في بعض المناطق مثل حلب ودير الزور.

ويضيف الزعبي: “بالرغم من المصائب التي تحدث في محافظات الجنوب وخاصة درعا، إلا تضارب المصالح بين الدول نتيجة جغرافيا المنطقة منع من تحولها إلى معسكر ضخم للإيرانيين واللبنانيين أو معتقل كبير للنظام”.

روسيا والتي كانت ضمنت اتفاق التسوية عام 2018 وأخذت على عاتقها تطبيق شروط إسرائيل والأردن بمنع اقتراب الميليشيات من حدودها، أوجدت حالة من “التناغم” بين طرفين النظام والمعارضين السابقين، وهو ما يعتبره البعض “صمام أمان” للمنطقة من خلال إنشاء قوة عسكرية تتبع لها وهو اللواء الثامن “تحت مظلة جيش النظام وخارج عباءة الهيمنة والسطوة الأمنية”.

كيانات عسكرية أخرى كانت سبباً في خلق هذا الواقع وبعضها على غرار اللواء الثامن لكن بنشاطات مختلفة، وهي مجموعات من المعارضين السابقين ينتشرون في المناطق الحدودية مع الدول التي ينسّقون معها كما هو في بعض قرى وبلدات القنيطرة وبلدات ريف درعا الشرقي.

مجموعات المعارضة المتبقية

في عام 2018 رفض المئات من العناصر المعارضين الخروج ضمن دفعات التهجير إلى الشمال السوري عقب إبرام اتفاق التسوية، ومن ثم رفض العشرات منهم الخضوع لعقود التسوية ما جعلهم في خانة الملاحقين من الأفرع الأمنية فضلاً عن احتمالية سوقهم للخدمة العسكرية.

ومع عدم وجود أي حلول من طرف النظام للرافضين لعقود التسوية والمنشقين سوى اعتقالهم وتغييبهم في السجون ومن ثم القتل تحت التعذيب كما حصل مع العشرات، فرض ذلك على العشرات إعادة تنظيم صفوفهم في مجموعات صغيرة بعيداً عن الكيانات والتشكيلات العسكرية وبدأت تتصاعد عملياتها ضد ضباط وعناصر النظام والمتعاونين معهم مطلع العام الفائت.

يقول خلدون أسعد (اسم مستعار) عنصر سابق في المعارضة بريف درعا، إن النظام منذ الأيام الأولى بعد اتفاق التسوية تعامل بالأسلوب الأمني ذاته مع المعارضين. العشرات قضوا تحت التعذيب وفي عمليات الاغتيال والمئات في السجون فضلاً عن عدم تحسن المستوى المعيشي والخدمات، كل ذلك كان سبباً في لجوء البعض للنشاط العسكري مجدداً.

وهنا يشير المحلل الزعبي إلى الطرف الثالث الممثّل بمجموعات المعارضة بشقّيها “المستقل وغير المستقل” وهو طرف بارز وجزء من تركيبة الوضع الأمني الراهن. وأضاف “تصاعد الهجمات بالرغم من التواجد العسكري الكبير للنظام في المنطقة يُنذر باحتمالية توسّع انتشار هذه المجموعات وتزايد أعداد المنضمين لها في ظل التضييق الأمني وعدم وجود انفراجات بما يتعلق بالمطلوبين للخدمة العسكرية والمنشقين”.

الأسلوب الأمني

الأسلوب الأمني وسياسة “القبضة البوليسية” هي ذاتها طريقة التعامل التي انتهجها النظام في تعاطيه مع الثورة السورية منذ أيامها الأولى في درعا ودمشق، وبالرغم من التغيّرات الكبيرة التي حصلت حتى العام 2018، إلا أنه انتهج الطريقة ذاتها في التعاطي مع المعارضين الموافقين على اتفاق التسوية، وهو ما يراه المراقبون سبباً رئيسية في عدم الاستقرار.

“الفعل يخلق رد الفعل” كما يقول عضو لجنة التفاوض في درعا الذي فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، وتابع متسائلاً :”كيف يطلب رئيس اللجنة الأمنية وضباط أفرع المخابرات وقف الهجمات ضد عناصرهم وفي الوقت ذاته يهاجمون البلدات ويدفعون خلايا الاغتيال إلى القضاء على قادة المعارضة والمفاوضين؟”.

ويرى المصدر أن التغييرات الأخيرة في صفوف الضباط والقادة الأمنيين بدرعا لن تأتي بشيء جديد ولن تحسم الفوضى الراهنة ما لم يتم تغيير جذري في طريقة التعاطي وإعطاء المجال أكثر لتحسين حياة السكان سواء في الجانب الأمني أو المعيشي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى