مجتمع

في سوريا التهنئة بحلول شهر رمضان مختلفة – فكيف كانت؟

الحرب المستمرة منذ 10 سنوات فرضت أنماطاً عدة وجاءت بأشكال جديدة على سلوكيات المجتمع يكاد بعضها أن يُصبح من العادات، من بينها التهنئة والتبريكات بحلول شهر رمضان والأعياد

نبأ| ياسر الخطيب

يجتمع المسلمون في أنحاء العالم، على عبارات عدة للتهنئة بحلول شهر رمضان المبارك وإن اختلف لفظها إلا أنها تبقى بمفهومها فيقول معظمهم “رمضان مبارك” ومنهم من يقدم التبريكات بدعاء “اللهم أهلّه علينا باليمن والإيمان” و”تقبّل الله منا ومنكم”.

في سوريا قد يختلف ذلك قليلاً، الحرب المستمرة منذ 10 سنوات فرضت أنماطاً عدة وجاءت بأشكال جديدة على سلوكيات المجتمع يكاد بعضها أن يُصبح من العادات، من بينها التهنئة والتبريكات بحلول شهر رمضان والأعياد.

لا غرابة في أن تختلف صيغ وعبارات التهنئة باختلاف المكان أو الموقف من النظام (موالي – معارض) أو الظرف العائلي أو حتى باختلاف شبكة الانترنت التي يستخدمها المهنّئ!، فكيف ذلك؟

الظروف الأمنية في المناطق التي يسيطر عليها النظام فرضت مخاوف كثيرة عند الأهالي من بينها خشية استخدام شبكة الانترنت المحلية في أي نشاطات مناهضة للنظام ويشمل ذلك المحادثات الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي خوفاً من أن تكون مراقبة أو مخترقة من الأجهزة الأمنية.

هذه الحالة منعت الكثير من التعبير عن آرائهم وللتهنئة بحلول رمضان والأعياد نصيب من ذلك، فيكتب أحدهم لآخر (باللهجة المحلية): “رمضان القادم إن شاء الله والبلد بخير وسلامة” ويردّ عليه: “آمين بالفرج يارب”.

يقول عبد الرحمن العقلة، من محافظة درعا إن الصيغة السابقة تُستخدم عادة عند نسبة كبيرة من السوريين الذين يقطنون في مناطق سيطرة النظام “للتمويه” وتضليل من يراقب محادثاتهم (بحسب اعتقادهم).

يضيف العقلة: “بمثل هذه العبارات يكون المعنى في قلب المهنّئ فعندما يتمنى انفراج الأزمة في رمضان القادم فكأنه يتمنى حلوله دون النظام أو ما شابه”.

“المضحك المبكي أن أحياناً عندما يتحدث مغترب سوري مع أهله في مناطق سيطرة النظام عبر مكالمة فيديو لتهنئتهم بحلول شهر رمضان، تكون تهنئة أهله بالغمز فمثلاً إذا كانت الأم تتمنى رحيل بشار الأسد حتى رمضان القادم فإنها تُشير بيدها إلى أعلى الهرم وبالأخرى أنه راحل دون تناول ذلك كلاماً”.

وبالحديث عن المغترب، فإن أكثر من 6 مليون سوري يقضون رمضان هذا العام في بلاد اللجوء ولا تكاد تخلو التهنئة فيما بينهم بحلول الشهر الفضيل من تمنيات الالتقاء مع ذويهم في سوريا أو مع بعضهم في أحد البلدان.

ومن العبارات الأكثر استخداماً للتهنئة لدى اللاجئين السوريين بلهجتهم “رمضان القادم وانتا مجتمع مع أهلك على سفرة وحدة”، “رمضان القادم واحنا مجتمعين ببلدنا”، “أعاده الله علينا بالخير والبركة والاجتماع مع الأهل”.

يُشير المتحدث السابق إلى أن أكثر ما يُحزن في رمضان لدى السوريين هو أن التهنئة حملت تمنيات العودة ولم الشمل وانتهاء الحرب أكثر من التمني بأداء مناسك العمرة في مكة المكرمة خلال رمضان القادم أو الشفاء من المرض أو لأداء العبادات.

يقول أحمد المسالمة، وهو لاجئ سوري يقضي شهر رمضان للسنة الثانية في أوروبا: “تهنئتي مع والدي ووالدتي بحلول رمضان كانت باتصال عبر الانترنت، لم أجد كلمات لذلك سوى أن يجمعني الله معهم في رمضان القادم سواء في سوريا أو أي بلد آخر”.

يتابع: “معظم من تحدثت معهم من أصدقائي وأقاربي لتهنئتهم بحلول الشهر الكريم كانت ردودهم لي بالتمني بأن اجتمع مع عائلتي”.

لكن البعض لا يتمنى أن يعود إلى وطنه في ظل الوضع الراهن، صور طوابير الخبز والمحروقات والظروف المعيشية الصعبة رسمت في مخيلة الكثيرين مشهداً مرعباً يجعل الحياة في سوريا أمراً مستحيلاً.

“أن يتمنى الشخص لم الشمل مع عائلته لا يعني أنه يتمنى العودة إلى بلدة في ظل ما تعيشه البلاد من مآسي” يقول المسالمة، ويضيف: “جميعنا يتمنى العودة إلى سوريا لكن ليس سوريا التي نراها اليوم ولذلك أُجبرنا على مغادرتها”.

لكن ماذا عن المعارض للنظام والموالي له؟

تحتوي تهنئة كل منهما بحلول شهر رمضان، التمني بـ “النصر” وانتهاء الحرب لكن المعارض يتمنى حلول رمضان القادم بسقوط النظام والموالي بالقضاء على “الإرهابيين والمؤامرة الكونية” بحسب وصفهم.

في الأحياء والأزقة كانت تهنئة ساكنيها تحمل طابعاً جافاً وحزيناً، كثيرون لم يردّدوا تهنئتهم المعتادة وحتى أدعيتهم التي كانت تتضمن الرجاء بأن يرزقهم الله زيارة الكعبة المشرفة والمدينة المنوّرة في رمضان اختفت لهذا العام الأصعب منذ 10 سنوات، أقصى ما طلبوه أن يحلّ رمضان القادم بالفرج: “أعاده الله علينا بالفرج يارب”.

أما العائلة التي تفتقد أحد أفرادها بعد أن غيّبته معتقلات النظام لسنوات، تتكررّ في كل سنة تهنئة الأقارب والجيران لهم مع كل رمضان وعيد، بخروج ابنهم من المعتقل وأن يجتمعوا معه على مائدة إفطار واحدة، إذا كان ما يزال على قيد الحياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى