مجتمع

الدروز.. أكبر المجموعات التي هاجرت إلى حوران في العصر الحديث

كان لمجيئ الدروز إلى جبل حوران أثر كبير في المنطقة، فما سبب قدومهم إلى جبل حوران بالتحديد؟ وما الأثر الذي ترتب على هجرتهم إليه؟

نبأ| صهيب المقداد

إن من أكبر المجموعات التي هاجرت إلى حوران في العصر الحديث وسكنت منطقة واسعة جداً وكان لها الأثر الأكبر في تغيير ديموغرافيا حوران هم الدروز

قبل أربع قرون لم يكن في جبل حوران عائلات أو عشائر من الطائفة الدرزية، ومع بداية القرن الثامن عشر بدأوا بالوفود إلى جبل حوران، ويقول المؤرخ الدمشقي محمد كرد علي، في تاريخ قدومهم: “فلما وقع ما وقع من حوادث لبنان عام 1860 ميلادي (1276 هجري)، قضت الطبيعة على بعض رجال طائفة الدروز أن يهاجروا إلى جبل حوران، وأول نزول الدروز بعد وقعة عين دارة المشهورة في لبنان عام 1710 ميلادي (1122 هجري) فتألفت كتلة منهم هناك”.(1)

فكان لمجيئ الدروز إلى جبل حوران أثر كبير في المنطقة، فما سبب قدومهم إلى جبل حوران بالتحديد؟ وما الأثر الذي ترتب على هجرتهم إليه؟

سبب قدوم الدروز إلى جبل حوران

الدروز وأبناء بني معروف كما اشتهروا في جبل حوران، مجتمع منغلق على نفسه وقد هاجروا إلى الجبل على شكل مجموعات وأرادوا الانغلاق به على أنفسهم – لما للجبل من ميزة جغرافية – والاعتصام بالجبل عن الدولة العثمانية التي كثرت ثوراتهم عليها والابتعاد عن السلطة الإدارية، يقول المؤرخ الدرزي حسن أمين البعيني: “لقد شكل الدروز في جبل حوران قوة بدأت تضاهي قوة المجتمع الدرزي في الشوف، كانوا يتكاثرون في جبل حوران حتى باتوا أكثرية سكانه الساحقة، فكان ذلك مع استقلالهم الفعلي بإدارة شؤونهم الداخلية منطلقاً للفرنسيين لإنشاء دولة لهم عام 1921 ميلادي (1340 هجري)(2).

ويؤكد على ما قاله المؤرخ حسن أمين، المؤرخ محمد كرد علي في كتابه “خطط الشام” حيث يكمل عن انسيال الدروز نحو حوران قائلاً: “ثم انسالوا على جبل حوران يحاولون الاستقلال بربوعه، والإبتعاد عن سيطرة عمال العثمانيين، وإن ظواهر الحال تدل على أن الدروز في جبل حوران حاولوا منذ عام إبراهيم باشا المصري أن ينزعوا أيديهم من أيدي حكام القطر، ويستمتعوا بإمتيازات خاصة”.

الأثر المترتب على هجرة الدروز إلى جبل حوران

بعد نزول الدروز إلى الجبل وكثرتهم فيه، سمّي بإسمهم وصار اسمه “جبل الدروز” وقد كان فيه قبل الدروز من المسلمين والمسيحيين ولكنهم ناوشوهم ونازعوهم الجبل حتى أصبح موطنهم، والكثير من العشائر نزحت عن الجبل بعد قدوم الدروز ونذكر منها:  عشيرة السويدان (سنية) نزحوا عن الجبل قرابة عام 1829 – آل دحدل (مسيحيين)، وقد كانت هاتين العشيرتين تتناوبان على مشيخة الجبل، كما أدى قدوم الدروز إلى رحيل قسم من آل الزعبي الذين كانوا في صلخد شرقي بصرى(3) على أثر الخلافات والاقتتال.

أراد الدروز الاستقلال في الجبل وقد نالوا ما أرادوه، فرحلت عن الجبل العشائر السنية والمسيحية وغلب الدروز على أهله، وأصبحت غاراتهم تتجه نحو السهل الحوراني بعد أن أمنوا الجبل، فكثرت المعارك والخلافات بين الدروز والحوارنة وأشهرها وقعت فيدة بين بني معروف من التعارة وعشيرة الحريري في بصر الحرير والتي انتهت بالصلح بين الطرفين عام 1875 ميلادي (1292 هجري)، ووقعة أخرى بين الدروز من القرية والمقداد من بصرى الشام عام 1909 ميلادي (1326 هجري)، لتنتهي بالصلح أيضاً ودفع الديّات وما يعادلها من الأراضي لأهالي المقتولين، فالعديد من قرى شرقي بصرى كانت تتبع لها وهي اليوم جزء من محافظة السويداء وقرى الدروز، وقد كانت بصرى منطقة يتبع لها 3 نواحي و 48 قرية(4). وذلك عام 1912 ميلادي (1330 هجري) وحتى نهاية حكم الدولة العثمانية.

وهكذا تغيرت ديموغرافيا الجبل من جبل حوراني سني إلى جبل تسكنه الطائفة الدرزية وقد انتهت العلاقات رغم النزاع في نهاية المطاف بحسن الجوار وتحكيم العقل وبناء العلاقات الطيبة بين الطرفين، وخاصة في فترة الانتداب الفرنسي وإلى اليوم وذلك لمنع الأخير من اللعب على الوتر الطائفي وزرع الفتنة بين الجيران والتغذي على الاختلاف المذهبي، يقول سلطان باشا الأطرش في مذكراته: “ولإزالة كل أثر للخلافات الفردية والجماعية التي كانت قائمة ذهب أخي علي إلى بصرى ومعه وفد من أهالي (القريا) واجتمعوا هناك..”

المصادر:

  1. خطط الشام (الجزء 3)، محمد كرد علي، صفحة 101
  2. دروز سورية ولبنان في عهد الانتداب الفرنسي، حسن أمين البعيني
  3. فلاحو سوريا، حنا بطاطو، صفحة 47
  4. الإدارة العثمانية في شرق الأردن، أحمد صدقي شقيرات، صفحة 116

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى