لماذا تأخر ازدهار التعليم في حوران؟
نبأ| صهيب المقداد
قلنا بأن حوران عاشت فترة ساد فيها الجهل عند أغلب أبناءها وإذا ما تتبعنا محاولات إنشاء المدارس نجد بأن المدارس كانت تُبنى ثم يقلّ عددها بدلًا من الزيادة وكأن الأهالي في عزوف عن العلم والتعليم، ومن أهم الأسباب لذلك:
تقصير الدولة:
التقصير الواضح من الدولة العثمانية ومن عمّالها وحتى في عهد التنظيمات والسعي لتحسين المعارف كانت حوران آخر لواء اهتم به العثمانيين أو من الألوية، وفي سالمانة ولاية سورية وخلال الإطلاع على ميزانية لواء حوران لسنة ١٣٠٠ هجري الموافق ١٨٨٢ ميلادي، ظهرت ميزانية المعارف من المصروفات صفر، في حين كان العثمانيين مشغولين بجمع الضرائب بأنواعها من الفلاحين في حوران، ويضاف إلى ذلك الفساد في السلك الإداري داخل اللواء، فإتخاذ قرار بناء المدرسة يختلف عن تنفيذ القرار فقد يُعتمد المشروع ولا يُنفّذ، وأيضًا عدم تطبيق نظام إلزامية التعليم، مما يعني بأن الأهالي أحرار في إرسال أبناءهم إلى الزراعة أو المدارس دون حسيب أو رقيب.
الزراعة ذات أولوية:
الزراعة والعمل في البيادر كان نقيض التعليم، فالفلاح يقضي أغلب أوقاته في عمله ولا يجد وقتًا كافيًا للدراسة والتعلم، إضافة إلى أن الزراعة كانت مصدر دخلهم والبعض يرى فيها أهمية أكثر من التعلم، ولعل ما يزيد من صحة هذا الرأي بأن علماء حوران الذين برزوا منها كانوا يهجرونها قاصدين دمشق في حين من بقي في حوران كانت تشغله أعمال الفلاحة، وهذا ما أشار إليه مفتي حماة الشيخ محمد الحريري (١٨٥٨ ميلاد – ١٩١٢ وفاة)، حين قال: “وحيث أن أقاربنا وأبناء عمنا من السادات الحريرية والرفاعية منذ قدموا من العراق، وتوطنوا البلاد الشامية وأكثرهم سكن القرى، اشتغلوا بالفلاحة والزراعة، تأمينًا لمعيشتهم.. فأصبحوا كما تراهم في ديار حوران وغيرها على حالة يُرثى لها من الجهل”
المتتبع لعدد المدارس وبأنواعها في حوران مع مرور الزمن يجد ذلك جليًا، فمثلًا في لواء حوران وسنة ١٨٨٢ ميلادي كان عدد المدارس في حوران ٣٥ مدرسة، وفي سنة ١٨٨٥ ميلادي كان هناك مدرسة رشيدية واحدة في حوران وهي في القنيطرة، أما في سالمانة ولاية سورية لسنة ١٣١٨ هجري الموافق ١٩٠٠ ميلادي ظهر في عموم لواء حوران، أقضية “حوران، عجلون، القنيطرة، بصر الحرير، درعا، السويداء، عاهرة” ١٠ مدارس، ومدرسة واحدة فقط منها في أقضية “حوران، بصر الحرير، درعا” وهي في الشيخ مسكين بإدارة المعلم حافظ إبراهيم أفندي، فلم نجد في السالمانة ٣٥ مدرسة بل ١٠ مدارس فقط.
وكذلك الأمر في سنة ١٩٠١ ميلادي، فقد أظهرت وثيقة من الأرشيف العثماني برقم ٢٥٨١/٧٥ مسودة تذكرة مرفوعة إلى مقام الصدارة العظمى من قلم نظارة الداخلية، تتناول طلب الموافقة النهائية على قرار إفتتاح مدرسة رشيدية في مركز لواء حوران و١٢ مدرسة ابتدائية في قضائي درعا وبصر الحرير، في حين أن أحد الرحالة ذكر أنه في سنة ١٩٢١ ميلادي يوجد في حوران (درعا، بصر الحرير) ٦ مدارس فقط، والمفروض أن يكون عددها يفوق ١٣ مدرسة بكثير، وفق الوثيقة.
لا ندري أهذه المدارس أغلقت كلها لعزوف الأهالي عن التعليم أم لم يكتمل بناءها، ولكننا سنضرب مثال على إحدى المدارس في حوران وما حل بها على لسان محمد خليل رفعت الحوراني (١٨٧٦ ميلاد – ١٩٥٣ وفاة) وقد كتب في سنة ١٩١٠ ميلادي يقول: “مدرسة تبعد عن دار الحكومة أربعين متر بنيت لما بنيت دار الحكومة منذ نحو اثنتي عشرة سنة وقد وضعت أخشاب سقفها ولم ينقصها سوى وضع القرميد وهو موجود في دار الحكومة فمالنا بآمر حازم يأمر فقط بوضعه فتصبح مدرسة تصرف الهمة إلى تلقي العلوم فيها بعد أن أصبحت مأوى للكلاب ومربط للدواب وقد انقضت الأموال الطائلة في تشييدها”.
من مدرسة إلى مأوى للكلاب ومربط للدواب، في مثال يجسد إهمال المعارف لواء حوران، وحال تعليمية يرثى لها ومأساة عاشها اللواء، ولكن من المُحال دوام الحال، فبعد هذه السنوات بقليل نهضت حوران على أرجلها ولمحمد خليل رفعت الحوراني نفسه أيادي بيضاء في نهضة حوران التعليمية، فكما أن لكل دولة رجال، ولحوران رجالها الذين ساهموا في القضاء على حالة الجهل المتفشية فيها.