لماذا يخشى النظام السلاح المدفون في درعا؟
نبأ | ابراهيم علي حمد – اسماعيل المسالمة
يُعتبر السلاح بيد المعارضة في جنوب سوريا من أهم الملفات ذات الأولوية لدى النظام على الرغم من مرور أكثر من عامين على سيطرته مع روسيا على درعا والقنيطرة.
في كل اجتماع مع ممثلي لجان التفاوض والوجهاء في المدن والبلدات يركّز ضباط النظام في حديثهم على أهمية تسليم كافة أنواع الأسلحة والكشف عن أماكن السلاح المدفون كمقدمة لأي اتفاق من شأنه تجنيب المنطقة هجوم عسكري لتنفيذ شروط النظام بالقوة.
في آب/ أغسطس عام 2018 سيطر النظام وروسيا على درعا والقنيطرة بموجب اتفاق مع المعارضة المسلحة كان من بين بنوده تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للنظام واحتفاظ المجموعات المعارضة والأفراد بالسلاح الخفيف “إلى حين التوصّل لحل سلمي للأزمة السورية”،.
البند المتفق عليه بين الطرفين سرعان ما تحول فيما بعد إلى ورقة تفاوض ومحل اهتمام كبير من النظام في سعيه إلى الاستيلاء على السلاح الخفيف بوسائل وطرق مختلفة.
تُجمع مصادر نبأ على أن الشخص المسؤول عن ملف سلاح المعارضة في درعا هو اللواء حسام لوقا، مدير إدارة المخابرات العامة في سوريا ورئيس اللجنة الأمنية في درعا، والذي تصدّر قائمة العقوبات الأميركية الأخيرة في إطار قانون “قيصر” لمحاسبة النظام السوري.
لوقا والذي لم يفوّت منذ تعيينه رئيساً للّجنة الأمنية، اجتماعاً أو جلسة تفاوض إلا واستطرد في حديثه عن كيفية جمع السلاح وحصره بيد النظام في إطار مهمته الرئيسية التي عُيّن لأجلها وهي إعادة “هيبة الدولة” في درعا (بحسب قوله في أول اجتماع بعد تعيينه).
في الآونة الأخيرة تكررت حوادث إطلاق سراح أشخاص اعتُقلوا من على حواجز للنظام حديثاً مقابل عدد محدد من قطع الأسلحة الخفيفة (الكلاشنكوف)، حتى أصبحت وسيلة شائعة بين الأهالي لإطلاق سراح أبنائهم أو حتى معرفة مصير المفقودين منهم.
وتبيّن من خلال معلومات وشهادات حصلت عليها نبأ من ذوي بعض المعتقلين المُفرج عنهم مؤخراً، أن النظام تمكن من تجنيد أفراد من الأهالي ومعارضين سابقين بمهام “سماسرة” ويُطلق عليهم صفة “الطرف الثالث” تكمن مهمتهم في التواصل مع ذوي المعتقلين واستجرارهم إلى عملية تفاوض بسيطة، يطرح خلالها مطلب النظام وهو عدد محدد من قطع “الكلاشنكوف” مقابل إطلاق سراح المعتقل، وإذا عرض ذويه المال يكون جواب “الطرف الثالث” بالرفض.
إحدى عمليات المبادلة كانت قبل نحو شهر عندما اعتقل عناصر المخابرات على أحد الحواجز غرب درعا، مهندساً زراعياً من عشيرة الأبازيد في قضية أدوية زراعية مهرّبة، وبعد أيام من اعتقاله وصل لذويه خبراً من شخص وسيط “الطرف الثالث” بأن 10 قطع من السلاح الخفيف مقابل إطلاق سراح المهندس.
ومع تعذّر توفر السلاح اضطرت عائلة المعتقل على شراء الكمية المطلوبة من تجار محليين بسعر وصل إلى حوالي 600 ألف ليرة سورية للقطعة الواحدة ومن ثم تم تسليمها للطرف الثالث وبعدها أُطلق سراح المهندس.
أسلوب مقايضة المعتقلين بالسلاح، أسلوب قديم متجدد يندرج ضمن عمليات الابتزاز التي يمارسها النظام وهو ما ترفضه لجنة التفاوض في مدينة درعا بحسب أحد أعضائها المحامي عدنان المسالمة، الذي أكد أن اللواء لوقا هو من يُصرّ على جميع السلاح في حين أن سلاح الفصائل تم تسليمه للنظام بعد اتفاق الجنوب وما تبقّى من سلاح فردي لدى بعض الأشخاص هو ملك شخصي، بحسب قوله.
وأشار المسالمة إلى أن كميات كبيرة من الأسلحة التي كانت مدفونة استولى عليها للنظام بواسطة “العملاء الذين انضموا للميليشيات خلال العامين الماضيين”. مضيفاً: “يخشى النظام من وجود السلاح الذي من الممكن أن يهدد وجوده في حال تجددت المواجهات المسلحة في المحافظة”.
من جانبه أكد القيادي المعارض سليمان الحريري (اسم مستعار)، أن السلاح الخفيف الذي يتم الحديث عنه من قبل النظام هو مشروع بيد مجموعات المعارضة التي دخلت باتفاق التسوية استناداً إلى أحد بنود الاتفاق حتى التوّصل لاتفاق سياسي شامل في سوريا.
وأوضح الحريري أن هناك “محاولات متكررة للالتفاف على اتفاق التسوية – الهش أصلاً – ومحاولة تهويل ملف السلاح الخفيف وخلق فوبيا منه”.
ويرى القيادي أن النظام لا يخشى السلاح المدفون بل يستخدمه كوسيلة ضغط وترويع للأهالي وتأليب للرأي العام الخارجي من خلال الإيهام بأن هناك كميات كبيرة من الأسلحة مدفونة ومن الممكن استخدامها في أي لحظة. واعتبر أن السلاح المتوفر لدى البعض هو لغرض الدفاع عن النفس في ظل الظروف الأمنية السائدة.
ومنذ نحو عامين استدل النظام على كميات من الأسلحة الخفيفة والذخائر مدفونة تحت الأرض في مناطق عدة بدرعا أبرزها في السهول الجنوبية والغربية لمدينة درعا وريفها الشرقي، جميعها تمت من خلال معارضين سابقين انضموا للنظام أو بانتزاع اعترافات من معارضين اعتقلتهم الأفرع الأمنية في المنطقة حول مخابئ الأسلحة.
وفي ظل عدم استقرار الوضع الأمني في درعا، تكثّفت في الأشهر الأخيرة مساعي النظام لعقد اتفاقيات تسوية في بعض المدن والبلدات كلّ على حدى لتطويع أبنائها في صفوف قواته وتسليم الأسلحة الفردية كما حصل في مدينة جاسم (شمال) مؤخراً.
العميد المنشق إبراهيم الجباوي، قال إن النظام يسعى بأي وسيلة وبأي ذريعة لجمع السلاح الذي يشكل مصدر قلق له لوجود احتمالية وإن كانت ضئيلة بعودة المواجهة التي وإن وقعت سوف تكون الكفة الراجحة فيها لصالح المعارضة، بحسب قوله.
وسيطر النظام وروسيا على محافظتي درعا والقنيطرة في آب/ أغسطس عام 2018، بعد معارك ومفاوضات استمرت قرابة شهر، خضعت خلالها معظم فصائل المعارضة لاتفاق التسوية، وخرج أكثر من 10 آلاف شخص في قوافل التهجير إلى الشمال السوري.