بعد اغتيال القيادي أدهم أكراد.. من التالي؟
كانت أصوات مآذن مساجد مدينة درعا صباح اليوم بمثابة رسالة للكثير ممن سمعها أثناء نعي ضحايا عملية الاغتيال التي وقعت أمس الأربعاء، هي ذاتها الرسالة التي كان المقصود بها من اغتيال القيادي أدهم أكراد ورفاقه.
اغتيال أدهم أكراد والأربعة الآخرين كان له وقعاً في أرجاء محافظة درعا خاصة وأنها استمراراً لعمليات سابقة طالت عدد من القياديين السابقين وممثّلين في لجان التفاوض، ومع مرور بضع ساعات على عملية الاغتيال الأخيرة يرتسم لدى الكثير سؤالاً: من التالي؟.
يصف مراقبون ما يجري في درعا بأنها “حرب تصفية” يشترك فيها النظام والميليشيات المرتبطة بإيران ضحيتها عشرات القياديين الذين كان لهم حضوراً بارزاً قبل آب عام 2018 (سيطرة النظام وروسيا على جنوب سوريا)، وبعد ذلك في ملف التفاوض إضافة لمن يصفونهم بـ “رأس الحربة” ضد تواجد إيران وحزب الله في المنطقة.
وإذا ما صحّت التوقّعات فإن “حرب التصفية” بدأت قبل أشهر ولا زالت في مراحلها الأولى وما قد تشهده المحافظة الجنوبية خلال الفترة القادمة ليس كما قبل، ويُضاف إلى ذلك ما تحدث به، أحمد العبد الله (اسم مستعار)، أحد أعضاء لجان التفاوض لـنبأ “يوجد قائمة فيها أسماء عشرات الشخصيات من أعضاء اللجان المركزية والفاعلين في المحافظة لتنفيذ عمليات اغتيال بحقهم من قبل مجموعات تابعة للنظام والميليشيات”.
وتابع العبد الله: “اغتيال أدهم أكراد رسالة لنا جميعاً مفادها ستموتون”.
ووصف الوضع الحالي في درعا بـ “الخطير” لما تشهده من صراع كبير بين الأطراف لفرض السيطرة عليها وبناءً على ذلك يتم قتل كل من يقف ضد الآخر.
عمليات الاغتيال المتتالية بحق ممثّلي لجان التفاوض والقياديين تدفع إلى التفكير بعمق في المرحلة القادمة وكيفية التعاطي معها في ظل ارتفاع الأصوات المطالبة بإعادة التفكير في طريقة التعاطي بين لجان التفاوض وضباط النظام وروسيا.
وأوضح أحمد العبد الله أن المرحلة الحالية تتطلب “الهدوء” والحفاظ على أنفسنا والآخرين في ظل هذا الصراع الكبير. وأضاف: “على الجميع أن يتفّهم ذلك لأن البعض لا يُدرك اللعبة الدولية وليس الجميع قادر على اللعب مع الأفاعي وهناك من فكّر ببساطة أنه قادر فلدغته الأفعى بسمّها عندما جرّب”.
وبالرغم من عدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن اغتيال الأكراد ورفاقه الأربعة إلا أن شخصيات عدة بعضهم أعضاء في لجان التفاوض اتهموا النظام بالوقوف وراء مقتلهم بإشراف اللواء حسام لوقا، رئيس اللجنة الأمنية في درعا والعميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري اللذان يشكلان رأس هرم السلطة الأمنية في المحافظة.
ووقعت عملية الاغتيال قرب الأوتوستراد الدولي الرابط بين العاصمة دمشق ودرعا، قرب مفرق قرية تبنة حيث اعترض مسلحون مجهولون يستقلّون سيارة نقل صغيرة (فان)، سيارة أدهم أكراد ما أدى إلى انحرافها عن الطريق ومن ثم أطلقوا النار بشكل كثيف على الأخير ومن معه.
وتخضع المنطقة التي وقعت فيها عملية الاغتيال، لسيطرة النظام ولم يسبق أن سيطرت عليها المعارضة خلال السنوات الماضية وتنتشر فيها عدد من الثكنات والمواقع العسكرية.
وتشير المعلومات إلى أن أدهم أكراد ورفاقه كانوا في طريق عودتهم من اجتماع يُتوقع أنه كان في العاصمة دمشق بمسألة تتعلق بعناصر معارضين قُتلوا قبل سنوات ودفن عناصر النظام جثثهم في مكان غير معلوم، الأمر الذي يراه أعضاء في لجان التفاوض بأنه كان بمثابة خطة لاستجرار الشخص المستهدف لمنطقة تسهل فيها عملية تصفيتهم.
وظهر القيادي أدهم في مقطع فيديو خلال مظاهرة بمدينة درعا قبل نحو ثلاثة أسابيع، يحذّر من التصعيد في المدينة رداً على استمرار الممارسات الأمنية لسلطات النظام وعدم تجاوبهم لتحسين الواقع المعيشي والخدمي للأهالي. وكان أحد أعضاء وفد التفاوض عن المدينة خلال توقيع اتفاق التسوية حيث كان قائداً لفصيل (كتيبة الهندسة والصواريخ) الذي كان يعتمد في سلاحه على التصنيع المحلي.
ويرى المقدم المنشق عن جيش النظام نجم أبو المجد، أن ما يحصل في جنوب سوريا هو نتيجة “غض الطرف” من قبل روسيا عن التمدد الإيراني لإغراق المنطقة وخلط الأوراق والضغط على الدول الإقليمية المعنية في المنطقة.
واعتبر المقدم نجم أن اغتيال القيادي أدهم ومن معه هو بمثابة إصرار من النظام على سياسته “الحل الأمني” الرافض لأي صوت معارض، ومثّل ذلك رسالة للجميع بأنكم أهداف متتالية حتى إسقاط “روح الثورة” في درعا، على حدِّ وصفه.
وحول الخيارات المتاحة قال أبو المجد “عملية الاغتيال الأخيرة نقطة تحول بالجنوب ومن الممكن تغيير الواقع بخلط الأوراق لأن النظام ليس لديه خطوط حمر ولن يسلم أحد من يد النظام”. مستذكراً بعبارة قالها أدهم أكراد في مظاهرة بمدينة درعا مؤخراً: “إذا بقيت سياسة القتل والاغتيال والتجويع والتجاهل من النظام ستكون عودتنا إلى المربع الأول قبل تسع أعوام”.
وقُتل 42 قيادياً معارضاً سابقاً في درعا خلال عمليات اغتيال متفرقة منذ توقيع اتفاق التسوية قبل نحو عامين، في حين تعرض 34 آخرين لمحولات اغتيال أُصيب منهم 20 بجروح متفاوتة (مكتب توثيق الشهداء في درعا).
وقتل 17 شخصاً وأُصيب 11 آخرين في عمليات اغتيال متفرقة في محافظة درعا خلال شهر أيلول الفائت، في حين بلغ عدد قتلى عمليات الاغتيال والتفجير خلال العام 2019 المنصرم 209 أشخاص معظمهم من المعارضين السابقين (مكتب التوثيق).