مجتمع

التعليم في حوران.. الكتاتيب

وكان التلاميذ يستعملون قلم من القصب يغمّس في الحبر للكتابة، ويكتبون على ألواح من صفائح تنك الكاز

نبأ| صهيب المقداد 

ظهر الكُتّاب في بداياته وبشكل واسع في صدر الإسلام، وكان الهدف منه تعليم الأطفال القرآن الكريم والسنة النبوية ومبادئ الكتابة والقراءة، وقد اهتم رسول الله، صل الله عليه وسلم، بتعليم الأطفال، إذ أمر أسرى معركة بدر من المشركين أن يعلّم كل منهم الكتابة لعشرة من الغلمان فيخلي سبيله.

في حوران وخلال زمن انعدمت فيه المدارس، عاشت حوران في منأى عن التعليم إذ نشأت أجيال كاملة لا تعرف القراءة ولا الكتابة، ولم يكن ثمة وسيلة للتعليم سوى الكتاتيب، وأن يعلّم الناس بعضهم البعض، في ظل تقصير وغياب الدولة (العثمانية)، فكانت الكتاتيب حاضرة في حوران كبديل للتعليم الحكومي، ويُعرف عن الكُتّاب أنها مرحلة من مراحل التعليم الأساسي الشعبي المبكّر، لا يحصل فيه الطالب على شهادات رسمية.

أما عن مكان الكُتاب، فلم تكن ثمة مدارس نظامية يذهب إليها الطلاب، إنما كان المكان إما في منزل الشيخ (المُعلم) أو في مسجد القرية، وبقي الحال على هذا النحو حتى عام 1902، حينما قررت الدولة العثمانية إنشاء قرابة 12 مدرسة في لواء حوران (نستطلعها في الجزء الثاني من سلسلة التعليم في حوران).

اقتصر التدريس في الكتّاب على القرآن الكريم وتعليم الكتابة والقراءة، وكان الطلاب يستعملون قلم من القصب يغمّس في الحبر للكتابة، ويكتبون على ألواح من صفائح تنك الكاز، ويجلسون على بساط يسمى “الجاعد” وهو مصنوع من جلد الخاروف بعد سلخه وتنظيفه، ويستخدم للجلوس والفرش، ولم تتوفر في تلك الحقبة من التاريخ أدوات الكتابة، فالتعليم في ظروف قاسية وعلى ضوء الشمعة أو سراج الكاز.

وغالبًا ما يكون تعليم الأطفال في الكتاتيب خلال فصل الشتاء وفي الفترة التي ينتهي فيها الفلاح من عمله، حيث يقضي الطفل طوال فصل الشتاء في التعلّم إلى أن يحين موسم الزراعية والحصاد في فصلي الربيع والصيف، ليتفرغ الأبناء لمساعدة آبائهم.

حمل المعلم على عاتقه آنذاك مسؤولية محو الأمية في قريته أو بلدته، مستعملاً الشدة واللين في التعليم، كما كان يستعمل الضرب أحياناً مثل “الفلقة” باستخدام عصا غليظة يُعاقب فيها التلاميذ على التقصير أو عدم المتابعة بشكل جيد، لكن للمعلم أو شيخ الكتّاب احترام شديد وشأن كبير عند الأهالي لاعتباره متعلماً وذو رأي سديد ولمهمته الكبيرة في رعاية الأطفال من الناحية التعليمية والأخلاقية أيضًا فهو معلم ومربي في آن واحد.

لم يكن لشيخ الكتاب أجر أو راتب شهري، وكان الطلاب  يأتون من بيوتهم بالشيء الزهيد كالخبز أو البيض أو يحصل على شيء من بيادر الحصاد، وقد يُخصص للشيخ هِبات كل يوم خميس من خبز أو سمن أو حبوب وتسمى “الخميسية” وفي فترة الستينات كانت الأجرة الشهرية قرابة 3 ليرات ورغيف خبز كل يوم.

ذكريات وحكايات الكتاتيب حاضرة أيضاً في ذاكرة أجدادنا وسيرهم وحكاياتهم، وقد درّس ودَرَسَ في الكتاتيب أعلام من حَوران، كالشيخ حسين أبازيد من درعا البلد والشيخ سليمان الحريري من بصر الحرير والشيخ أحمد المنصور المقداد من بصرى الشام، الذين درسوا في كتاتيب حوران، وكان من مشايخ الكتاب الأفاضل الشيخ عبدالرؤوف النابلسي شيخ الكتاب في طفس، والشيخ عبد الرحيم محمد طه أبو مديرة شيخ كتاب جاسم، وهذه الأسماء في الفترة الممتدة من نحو 1860 إلى 1960.

عند انتهاء الطفل من الكُتّاب وحفظه لآيات كتاب الله يُقام له حفل ويسمى بالختمة، ويقدم للطفل الهدايا للتشجيع والتكريم، وإذا أراد أحدهم استكمال تعليمه كانت وجهته على الأغلب نحو دمشق ليكمل فيها تعليمه ضمن المدارس النظامية، غير أن الأكثرية كانوا يكتفون بتعلم القراءة والكتابة وحفظ كتاب الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى