طريق الحج الشامي.. أين كانت منازله في درعا؟
نبأ | صهيب المقداد
للحج مكانة عظيمة في الإسلام، وقد إستمدت رُكُب الحج مكانتها من قيمة الفريضة التي يؤديها الحجاج، ودروب الحج قديما كانت تتألف من أربعة قوافل رئيسية:
- قافلة الحج الشامية
- قافلة الحج اليمنية
- قافلة الحج العراقية
- قافلة الحج المصرية
- منازل قافلة الحج الشامية:
عبر التاريخ زادت أو قلت أهمية قافلة الحج الشامية، على حسب كل دولة وكل حُكم، فكان لقافلة الحج الشامي في الفترة العثمانية الأهمية الأكبر؛ لأنها كانت تضم حجاج الأناضول وشمال سوريا وكبار موضفي الدولة العثمانية، فيجتمع الحجاج في دمشق ليمروا من حوران، وكانت منازلهم في حوران على طريقين:
1- طريق بُصرى:
وهو الطريق الشرقي، والذي استخدمه الحجاج في الفترة التاريخية التي تتراوح بين 1700 إلى 1900 ميلادي.
تنطلق القافلة من دمشق لتنزل سهل حوران، فتكون محطاتها:
غباغب – الصنمين – ازرع – بصرى – المفرق.
تميزت بُصرى بوجود بركتها التي تزود الحجاج بالماء، كما تميزت بوجود “دار الحجيج” وهي دار كبيرة وسيعة البناء، وفيها ساحة بنيت وخصصت لتنوخ فيها الجمال، وفيها سوق عظيم للبضائع، مما جعلها محطة رئيسية.
2- طريق مزيريب:
وهو الطريق الغربي، وقد نقلت الدولة العثمانية درب الحج نحو مزيريب نتجية صراعات قبلية وعشائرية وخلافات وحروب في منطقة بُصرى، واستمر هذا الطريق إلى زمن إنشاء السكك الحديدية، ومحطاتها:
غباغب – الصنمين – الشيخ مسكين – المزيريب – المفرق
تميزت المزيريب عن بُصرى، بأن طريقها أقرب، وبوجود بحيرتها الشهيرة التي تسقي الحجاج، وبكونها الطريق الآمن بعد الإضطرابات الحاصلة في بُصرى، فكانت محطة رئيسية بديلة عن بُصرى الشام.
وهذه أبرز المحطات التي كانت تقف وتمر منها قافة الحج الشامي عند مرورها بسهل حوران، وقد كانت القوافل تقف لساعات وأوقات قصيرة في المحطات الفرعية، بينما تجلس القافلة في بُصرى قديما ومزيريب حديثا من 4 إلى 7 أيام، حيث كان الحجاج في هذه المدة يقومون بشراء الحاجيات من سوق بصرى، ويستفيدون من قلعة المزيريب، ويتزودون من ماء البرك؛ فتميزت بصرى والمزيريب عن غيرهما..
كانت القوافل تستقبل من قبل أهل حوران أفضل إستقبال وفي كل منزل لهم بيت ومَضرِب، فقد وصف الشيخ علي الطنطاوي-على سبيل المثال-في مذكراته(صفحة ٦٤-٦٣) استقبال اهل حوران وبصرى الشام لهم وهم في طريقهم للحج، فقال: هتفنا بآل المقداد في بصرى وهم وجوهها وأعيانها نخبرهم بقدومنا وتوجهنا إلى بصرى..إستقبلنا أهل بصرى بالأضواء والمشاعيل والأهازيج والأغاريد. وكانت ليلة وصولنا كأنها ليلة العيد، خلت فيها البيوت وسالت بأهلها الطرق، ونزلنا على قوم كرام، أرونا من ألوان الرعاية ما عجز عن شكره اللسان، وأرادونا على المبيت فأصررنا على السفر.
كما كان أهل حوران يستفيدون من قوافل الحج بالتجارة وبيعهم البضائع، وإن عدنا للوراء قليلًا، وإلى مطلع القرن الرابع عشر كتب محمد السنوسي التونسي في شهر محرم، والذي كان برفقة درب الحج الشامي راجعاً من الحجاز، وعند مروره بقرية طفس: في هذا اليوم تواردت نساء طفس يبعن الدجاج والبيض والحطب، وكلهن جميلات الجمال البارع.
- سكة حديد الحجاز:
كان طريق الحج على الإبل والدواب يحتاج إلى شهور ذهابًا وإيابًا، وقد اقترح عام 1879 مشروع سكة الحديد بين حوران ودمشق، لخدمة حجاج بيت الله ولأسباب أخرى، وقد رسم “محمد سيدر” خريطة توضح للدولة سير خط السكة الحديدية في حوران وكانت على الشكل الآتي:
غباغب – الصنمين – القنيا – الشيخ مسكين – داعل – المزيريب.
وقد نُفّذ خط دمشق مزيريب سنة 1894 ميلادي، وأمتد ليصل إلى مدينة درعا وبُصرى شرقا فيما بعد، ففي 1901 وصلت دمشق بدرعا، فاختفى درب الحج الشامي البري والسير على الأبل بشكل تدريجي على إثر تطور المواصلات وافتتاح السكك الحديدية، لينتهي قرابة 1912 ميلادي.