التقارير

هل سقط ملف المعتقلين من اتفاقات التسوية في درعا؟

مرة أخرى يوضع ملف المعتقلين في خانة الوعود على لسان ضباط النظام وروسيا بلا ضمانات حقيقية لحلّه في الوقت الحالي أو في الأمد القريب على الأقل.

نبأ| عثمان جاد الله

منذ سنوات وما تزال آلاف العائلات في درعا تنتظر لحظة إطلاق سراح أبنائها المعتقلين في سجون النظام أو معرفة ما إذا كانوا على قيد الحياة بعد تغييبهم في أقبية الأفرع الأمنية.

اتفاقية التسوية في درعا عام 2018 جاءت بأملٍ للكثير من عائلات المعتقلين لوجود بند في نص الاتفاق يضمن إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المغيّبين من أبناء المحافظة.

وعود تلو الوعود، منذ ثلاث سنوات وما زال هذا البند عالقاً كغيره من البنود التي كان قد تعهّد بها ضباط روسيا والنظام في عشرات الاجتماعات مع لجان التفاوض ووجهاء درعا.

في الأشهر الثلاثة الأخيرة شهدت درعا موجة جديدة من التصعيد العسكري هو الأعنف منذ عام 2018، بدأت فيه روسيا بالمطالبة بتسليم السلاح الخفيف الذي كانت قد ضمنت بقائه مع المقاتلين السابقين في فصائل المعارضة، وهو ما مثّل انقلاباً على بنود اتفاق التسوية الأول.

حاصرت قوات النظام وميليشياته أحياء عدة في مدينة درعا لنحو شهرين ونصف وشنت خلالها العديد من الهجمات في محاولة لاقتحام المنطقة تحت وابل من الصواريخ وقذائف المدفعية، انتهت بخضوع المنطقة لاتفاقية تسوية جديدة سلّمت بموجبها مجموعات المعارضة سلاحها الخفيف ودخلت قوات النظام إلى المنطقة وتمركزت في تسع نقاط عسكرية.

مدينة طفس وبلدتي اليادودة والمزيريب (غرب) خضعت بشكل متتالي لاتفاقات تسوية مشابهة لاتفاق مدينة درعا، ومن المتوقع أن تنضم مناطق أخرى في الريفين الغربي والشمالي إلى التسوية التي يسعى النظام وروسيا من خلالها إلى فرض السيطرة المطلقة على جميع أجزاء المحافظة، حسبما قاله مسؤولون في النظام وضباط روس.

خلال جلسات التفاوض بين الطرفين تجددت المطالب بإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن المختفين قسرياً، وسط مطالبات شعبية بأن يكون هذا المطلب شرطاً لإتمام أي اتفاقية تسوية في درعا. فهل تحقق ذلك؟

يُجيب عضو في لجنة التفاوض في مدينة درعا (طلب عدم ذكر اسمه) لـنبأ، إن ملف المعتقلين كان حاضراً في جميع جولات التفاوض مع روسيا والنظام. وأضاف قائلاً: “كان إصرارنا عليه قبل أي ملف آخر لكن اللجنة الأمنية ربطت حل ملف المعتقلين بمدى تطبيق بنود الاتفاق في المدينة”.

ووعد ضباط النظام بأنه سيصدر عفو خاص عن معتقلي درعا إذا اكتمل تطبيق البنود كما هو متفق عليه. وختم عضو لجنة التفاوض قائلاً: “سيكون هناك حل لملف المعتقلين” (لم يحدد توقيت زمني لذلك).

مرة أخرى يوضع ملف المعتقلين في خانة الوعود على لسان ضباط النظام وروسيا بلا ضمانات حقيقية لحلّه في الوقت الحالي أو في الأمد القريب على الأقل.

يزيد عدد المعتقلين في درعا عن أربعة آلاف شخص، نحو ألف منهم اعتُقل بعد اتفاق التسوية عام 2018، في حين قضى آلاف الأشخاص تحت التعذيب وآخرين ما يزال مصيرهم مجهول منذ سنوات، بحسب ناشطين معارضين.

عضو آخر في لجنة التفاوض بدرعا (طلب عدم ذكر اسمه)، يرى أن النظام يتخذ من هذا الملف بُعداً دولياً يسعى أن يكسب من ورائه شيئاً ما وهو ما يُفسّر تعمده المماطلة بإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن المغيبين.

يقول المصدر لـنبأ: “إنه بالرغم من طرح اللجنة بند المعتقلين في كل اجتماع تفاوضي، إلا أننا لم نلمس من الروس أي ضغوط على النظام باتجاه تنفيذه”.

ضباط اللجنة الأمنية والروس قالوا إن حل موضوع المعتقلين سيبدأ بعد خمسة أيام من انتهاء “الأعمال العسكرية والأمنية” في تنفيذ الاتفاق، لكن على ما يبدو أن ذلك سيكون بعد الانتهاء من اتفاقات التسوية في المحافظة عموماً، بحسب عضو لجنة التفاوض.

ولم تتضمن خارطة الحل الروسي التي بدأ بموجبها تنفيذ اتفاقات التسوية في المحافظة، حل ملف المعتقلين العالق منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهو ما يراه مراقبون استمراراً لعملية المماطلة من روسيا والنظام وعدم وجود جدية في الوعود التي يكرّرونها في مقدمة كل اتفاق تسوية في درعا وغيرها من المناطق.

وبحسب تقرير نشرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن عدد ضحايا التعذيب في سجون النظام من أبناء محافظة درعا بلغ 2424 شخصاً منذ آذار (مارس) 2011 حتى حزيران (يونيو) 2021.

وقال مصدر مقرّب من لجنة التفاوض في ريف درعا الغربي لـنبأ، إنه لا يوجد جدول زمني لعملية إطلاق سراح المعتقلين، مشيراً إلى أن الروس يتحدثون خلال اجتماعاتهم مع المفاوضين والوجهاء عن وجود خارطة حل يُستند إلى جدولها الزمني في تنفيذ البنود.

وأكد المصدر أن النظام يحاول “التهرب” من حل قضية المعتقلين بافتعال مشاكل وطلبات جديدة كما حصل مرات عديدة خلال السنوات الأخيرة الفائتة.

وأطلق النظام سراح عشرات المعتقلين من أبناء محافظة درعا على دفعات عدة خلال السنوات الثلاث الماضية في إطار ما كان يصفه بـ “العفو” وفي كل مرة يجري ذلك بحضور رسمي وتغطية من وسائل الإعلام التابعة للنظام، إلا أن معظم من أُطلق سراحهم كانوا من المعتقلين حديثاً (بعد سيطرة النظام على المحافظة عام 2018).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى